الطبيعة الساكنة أو الصامتة Still-life / Nature morte أحد أجناس Genre الفنون التشكيلية تختص بتصوير الأشياء والعناصر المحيطة بالإنسان في عالمه المعيشي. وتكون في الأغلب ضمن تكوين يُبنى وفق تنظيم معين، ولا تقتصر في بعض الأحيان على مجموعة من الأشياء الجامدة وحسب، مثل (عناصر المعيش اليومي) بل تشمل أغراضاً من الطبيعة الحية انتزعت من وسطها الحقيقي (سمكة على طاولة أو أزهار في مزهرية). كما يمكن أن تشمل أيضاً صوراً لأناس، أو حيوانات وطيوراً محنَّطة، أو حشرات مثل الفراشات.
لوحة للفنان بول سيزان، طبيعة صامتة مع تفاح، زيت على توال، 1890م.
وهي تعد نوع من الرسم يُعنى في المقام الأول، برسم الأزهار والثمار والأطباق والأباريق وغيرها. نشأ، بوصفه نوعاً من الرسم مستقلاً، في عصر النهضة الأوروبية Renaissance. ومن الباحثين من يقول إن الرسام الإيطالي جاكوبو دي بارباري Jacopo de’Barbari هو رائد هذا النوع الفني إذ رسم عام 1504 أقدم لوحة في تاريخ الفن تمثّل الطبيعة الساكنة. وأياً ما كان، فقد بلغ رسم الطبيعة الساكنة عصره الذهبي في البلدان الواطئة (را. Low Countries) خلال القرن السابع عشر. وابتداء من القرن الثامن عشر وحتى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت فرنسا مركز هذا الفن في العالم. ومن كبار الفنانين الذين عُنوا برسم الطبيعة الساكنة أوجين دو لاكروا Delacroix، وأدوار مانيه Manet، وكلود مونيه Monet، وبول سيزان Cezanne وبابلو بيكاسو Picasso، وجورج براك Braque، وهنري ماتيس Matisse وغيرهم.
لوحة طبيعة صامتة للفنان (بوف راى/ POV-Ray)،
تكوين اصطناعي تم انشائه عن طريق توليد العناصر من خلال الكمبيوتر
إذن فالطبيعة الصامتة هي رسم أو تصوير أي من الجمادات أو النباتات في غير بيئتها الطبيعية، وكل ما هو غير حي في وضع الثبات داخل الأستوديو في ظروف تم التحكم بها مسبقاً بغية الوصول لصيغة فنية معينة وتوصيل أفكار معينة من خلال الصورة. تختلف الحياة الصامتة في تكوينها الفني عن الطبيعة الحية (المنظر الطبيعي Landscape)، ويستخدم هذا النوع بكثرة لتصوير الإعلانات لأنها تحتاج إلى الوقت الكافي والدقة والعناية في اختيار العناصر.
طبيعة صامتة لبيتر كليز
وتملك الطبيعة الصامتة استقلالية فنية، على الرغم من توظيفها في أحد مراحل تطورها لخدمة معان رمزية، أو استخدامها ضمن الحلول التزيينية والزخرفية (الديكور)، وهي لا تصور الأشياء لذاتها وحسب، بل تدل أحياناً على أبعادها الاجتماعية، مثل موضوع «وجبة الإفطار» الذي شاع لدى مصوري الطبيعة الصامتة في هولندا إبان القرن السابع عشر، وكذلك يمكن أن يكون لها إسقاطات فلسفية تؤكد قيمة الموجودات المادية وعلاقتها بالإنسان. وقديماً استخدم المصريون القدماء هذا النوع من التصوير لتزيين جدران المعابد.
تصوير جدارى روماني في بومبي
وعاء زجاج من الفاكهة والمزهريات، (حوالي 70 م)، المتحف الأثري الوطني، نابولي، إيطاليا
تُصادَفُ في فنون الشرق القديم والفن الإغريقي الروماني، وإلى حد ما في القرون الوسطى، وفي بلدان الشرق الأقصى، موضوعات الطبيعة الصامتة مثل: الطيور والورود والأواني لكن ظهرت الطبيعة الصامتة جنساً فنياً مستقلاً في الأزمنة الحديثة عندما بدأ يبرز الاهتمام بمادية الأشياء وصورتها الحسية الملموسة في إبداعات معلمي عصر النهضة في إيطاليا ولاحقاً في هولندا.
طبيعة صامتة لسانشيز كوتان
طبيعة صامتة مع محار لماتيس
إن مسيرة الطبيعة الصامتة ولاسيما نمطها trompe- l’oeil (الرسم الخداع) فسح في المجال أمام دقة الإيهام في محاكاة الأشياء، مثل: أعمال المصور الإيطالي ياكوبو دي بارباري (1504) Jacopo de Barbari، وأخذت طريقها إلى الانتشار منذ النصف الثاني للقرن السادس عشر، وقد أسهم في ذلك ترسيخ الميول العلمية واهتمام الفنانين بالواقع المعيش، وكذلك تطور الطرق الفنية في تمثل الواقع مثل أعمال المصور الهولندي ب. أرتسين Aertsen والفلمنكي ي. بروغيل المخملي Bruegel.
وقد شهد القرن السابع عشر ازدهار الطبيعة الصامتة بكل أشكالها وأنماطها، وكان لذلك علاقة بتطور المدارس الواقعية القومية في إيطاليا وإسبانيا، ولاسيما التجربة الإبداعية لكارافاجيو Caravaggio وأتباعه، مثل: بونتسي Bonzi، وأسرة ريكو جوزيبيه Guiseppe وجيوفاني Giovani وجياكومو Giacomo الذين أسسوا نهجاً فنياً عُرف بـ Caravagisme، وكانت موضوعاتهم الأثيرة الأزهار والخضار والفواكه وأعطيات البحر وأدوات المطبخ. أما أعمال الفنانين الإسبان فقد تميزت بسموها ورصانتها الصارمة والاهتمام الكبير في تصوير الأشياء على نحو دقيق، مثل: أعمال زورباران Zurbaran وسانشيز كوتان Sanchez Cotan وبيريدا Pereda.
وتجلى في هولندا في القرن السابع عشر الاهتمام بهوية الأشياء الحميمة والوسط الهوائي وتنوع الخامات وملمسها والدقة في تدرج الظل والنور، إما باعتماد مجموعة لونية بسيطة ورصينة تأخذ بتدرج محدود للألوان مثل «وجبة الإفطار» (1644) لبيتر كلاس Pieter Claesz وإما باللجوء إلى المؤثرات اللونية القائمة على التضاد والانفعال الحاد مثل «وجبة الحلوى» (بعد 1653) لكالف Willem Kalf، وتميزت الطبيعة الصامتة الهولندية بوفرة الأنماط وتنوعها من تصوير الطيور بعد صيدها إلى واجهات ورفوف المحلات التي تعرض بضائعها، وتميزت بامتداد التكوين ورحابته إضافة إلى النبرة الزخرفية التي أضفت مسحة احتفالية بالخير والعطاء، ويتعين في هذا السياق الإشارة إلى أن هذه المعالجات المفعمة بالحيوية، والتي تكشف الاهتمام بعالم الطبيعة بكل ثرائها؛ لاتنسجم مع تسميتها بـ «الطبيعة الميتة»؛ فأطلق الهولنديون عليها منذ عام 1650 تسمية أخرى «الطبيعة الخامدة أو الجامدة» stilleven.
وتطرق بعض المصورين في أعمالهم إلى الكنايات الرمزية مثل العبث vanités، كما تطورت الطبيعة الصامتة في القرن السابع عشر في ألمانيا على يد فليغل Flegel، وبيتر بينو Peter Binoit، وسورو Soreau، وفي فرنسا على يد بوجان L.Baugin وأخذت تطغى في أواخره التوجهات التزيينية الشائعة في فنون البلاط مع مونوييه Monnoyer ومدرسته التي اختصت بموضوعات القنص والصيد. وفي هذه الفترة تشمخ قامة شاردان Chardin الذي يعدحقاً من أبرز معلمي المدرسة الفرنسية، لما في أعماله من مهارة تجلت في الانضباط والحرية المدروسة في التكوين، ورهافة الحلول اللونية.
طبيعة صامتة لموراندي
لقد ظهر مصطلح الطبيعة الصامتة في أواسط القرن الثامن عشر عندما وضعت التصنيفات الأكاديمية للأجناس الفنية، وقد قوبل برفض من أنصار الأكاديمية الذين أعطوا الأفضلية لأجناس أخرى اهتمت بما هو حي (الجنس التاريخي والصورة الشخصية)؛ ففي القرن التاسع عشر حُسَمَ الخلاف نهائياً في شأن المكانة الفنية لأعمال الطبيعة الصامتة، وذلك عندما عمل فنانون كبار في هذا المجال من أمثال: غويا Goya وكوربيه Courbet ومانيه Manet. ومن المعلّمين المختصين في هذه الآونة برز موريس- كانتان دو لاتور Maurice-Quentin de la Tour في فرنسا.
إدوار مانيه (1832-1883)، القرنفل والياسمين في زهرية كريستال (1883)، متحف دورسيه، باريس.
ويعود الفضل إلى مساعي فناني مرحلة ما بعد الانطباعية post- impressionnisme سيزان Cézanne وفان غوغ Van Gogh وغيرهما، الذين رصدوا الجمال، وعاينوه في الأشياء الصغيرة المتواضعة لتشغل المكانة اللائقة التي تستحقها اليوم.
أضحت الطبيعة الصامتة منذ مطلع القرن العشرين المختبر الفني الإبداعي للتصوير، ولاسيما عند ماتيس Matisse أحد ممثلي المدرسة الوحشية Fauvisme في فرنسا ومعه أولئك الذين عملوا بشغف في إبراز الإمكانيات الوجدانية والتعبيرية والتزيينية للون والملمس. أما رواد التكعيبية Cubisme، مثل: براك Braque وبيكاسو Picasso فقد سخّروا خاصية الطبيعة الصامتة وما تملكه من إمكانيات تحليلية فنية في تأسيس طرق مستحدثة في إيصال الفراغ ومعالجة الشكل.
بابلو بيكاسو، خشاف مع الفاكهة والكمان والزجاج، 1912.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المصدر:
- مراجع للاستزادة:
ب. ر فيبر، حياة الأشكال، مشاكل الطبيعة الصامتة وتطورها (كازان، 1992م).
بي يو. فيخنز، الطبيعة الصامتة في هولندا خلال القرن /17/ (الفنون التشكيلية، موسكو 1990م).
CH. STERLING. La nature morte de l’Antiquité a nos jours, Paris 1952.
B. DORF Introduction to Still - Life and Flower Painting, London 1976.
A. RYAN Still - Life Painting Techniques, London 1978.