بابلو بيكاسو (1881-1973) لوحة مصنع الطوب فى تورتوسا، 1909، الوان زيتية علي قماش.
أسباب نشأة التكعيبية:
1. ابتعاد سيزان عن أسلوب الانطباعية العام واتخاذه أسلوباً متفرداً، ليظهر إلينا
الكامن في المواضع الطبيعية مؤكداً على السطوح والكتل، وحدود الخطوط التي أعطت
لوحاته نظاماً هندسياً. يقول سيزان: "إنَّ الطبيعة يمكن أن تتحول إلى أسطوانة والى كرة والى مخروط".
وكذلك
لسيزان الفضل في تكريس الواقع الجديد للتكعيبية عبر الوسائل الفنية الثلاث:
- - المستويات
المتداخلة: وضع سيزان السطوح الهندسية بطريقة متداخلة توحي بالبعد والقرب.
- - عين
الطائر: النظر من الأعلى إلى أجزاء اللوحة.
- - تداخل
المكان والزمان: يتداخل الزمان مع المكان في لوحاته من خلال تضخيم الأشياء ورفعها
إلى الأعلى أو إحالتها إلى الجانب.
2. اهتدت التكعيبية بتأثير التطور الذي كان قد تحقق في
ميدان العلوم الطبيعية شأنها في ذلك شأن الانطباعية، فقد أفادت التكعيبية من نظريات
علماء الرياضيات والهندسة والكيمياء البلورية أمثال بواتكارية وبرانسيه، وكذلك من
طروحات اينشتاين والنظرية النسبية. وتأثر الفنانين الفرنسيين بالنحت الزنجي الأفريقي،
والفنون البدائية، وقد وضعت بدايات التكعيبية باسم (العهد الزنجي)، إذ قدم
الفنان الأفريقي للغربيين بما يتضمنه من قوة سحرية ذات مدلول إنساني وبما يمتاز به
من تبسيط واختزال للأشكال.
المرجعيات الفلسفية للتكعيبية:
1. تكشف التكعيبية عن مرجعية افلاطونية، إذ ذكر افلاطون في
محاورة فيليبوس إذ استخرجنا من الفنون المختلفة ما تنطوي عليه من حساب وقياس، فما
الذي يبدو؟ لا شيء على الإطلاق .. ، إنَّ الذي اقصده بمجال الأشكال لا يعني ما
يفهمه عامة الناس من الجمال في تصوير الكائنات الحية، بل أقصد الخطوط المستقيمة
والدوائر والمسطحات والحجوم المكونة منها بواسطة المساطر والزوايا، ويؤكد أفلاطون أن هذه الأشياء ليست
جميلة جمالاً نسبياً مثل باقي الأشكال ولكنها جميلة جمالاً مطلقاً. وبذلك يربط
أفلاطون الجمال بالمثال العقلي يتجلى بالائتلاف الهندسي.
2. ويؤكد هربرت ريد مقولات أفلاطون حين يقول: إنَّ نظرية
التكعيبية قريبة من نفس النظرية التي دعا إليها أفلاطون ... إذ إنَّ الفنان
التكعيبي يتناول موضوعة كنقطة انطلاق ثم يستخلص منه على حد قول أفلاطون الخطوط
المستقيمة والأقواس والمسطحات والأشكال المجسمة، مستخدماً في ذلك المخاريط
والمساطر والزوايا.
3. تأثرت التكعيبية بفلسفة (كانط) حول الشكل من خلال
استقلالية الأشكال انطلاقاً من مقولته الجمال الخالص في الشكل الخالص. ولذلك أصبح
الشكل عند التكعيبيين محمل بخصائص مشابهة لخصائص اللون، مبرز أو يضف، تكاثر أو
يضمحل، فرب شكل اهليجي يتحول إلى دائري لمجرد دخوله ضمن شكل متعدد الأضلاع
والزوايا، ورب شكل يبرز أكثر من سواه ، يطبع اللوحة كلها بطابعها الخاص.
مراحل التكعيبية
المرحلة التمهيدية ( 1907 – 1909 ):
في
هذه المرحلة تكونت المبادئ الأساسية للتكعيبية ، كان لعمل سيزان والفنون البدائية
والنحت الزنجي أثر كبير على تطور التكعيبية وتحديد مسارها وتوضحت منطلقات
التكعيبية في هذه المرحلة وتجسدت في التخلي كلياً عن المفاهيم التقليدية للتصوير
وانحصرت اهتماماتها الرئيسة في عملية خلق نماذج جديدة ، وأن تكن مستمدة من الطبيعة
ولكنها لا تسعى إلى نقلها وتقليدها ، وذلك بتجنبها الإيهام المنظوري والمدى
التشكيلي التقليدي واستخدامها فقط كوسائل تشكيلية.
بول سيزان. لوحة محجر بيبيموس. 1895. (ألوان زيت على قماش)
جورج براك (1882-1963). لوحة جسر ليستاك. 1908. ألوان زيتية على قماش
من اليمين: قناع لوجه من غرب إفريقيا. ومن اليسار: بابلو بيكاسو ، (رأس امرأة). 1907. (زيت على قماش)
المرحلة التحليلية ( 1909 – 1912 ):
تركزت
هذه المرحلة على بلورة المفهوم الجديد للقضاء التصويري ، بتفكيك عناصر العالم
الموضوعي بشكل تحليلي داخل تقاطع شبكة الفضاء . وتتداخل الرؤية المباشرة والرؤية
الجانبية للأشياء في المشهد العام بيد أن هذه الأشياء التي عولجت بهذه الطريقة قد
احتفظت حتى بعد تفكيكها إلى مقسمات أو سطوح صغيرة بعناصرها الأساسية التي تتيح لنا
إمكانية التعرف عليها كالأنف والعين والفم في الصور الشخصية والميزات البارزة
الأخرى في الأشياء مثل الكأس ، القنينة ، الآلات الموسيقية . وهكذا كان الهدف هو
التركيز على الشكل المستقل للشيء وليس الشيء نفسه ، ولذلك جعلوا من الشيء الحقيقي
شيئاً فنياً.
الكولاج:
أدخل
بيكاسو وبراك عنصراً جديداً في اللوحة بالتجائهم إلى أسلوب خداع البصر بحيث يوهم
المشاهد أن ما يراه على سطح اللوحة هو كائن طبيعي فعلاً ، له وزنه وملمسه ، وعندئذ
أخذ يرسم في لوحاته قصاصات من ورق الجرائد والخشب والمسامير وفي عام 1912 رسم
بيكاسو حياة ساكنة مع كرسي خيزران ، إذ ألصق على القماشة قطعة من القماش الزيتي
لتوهم بالنسيج المتخلل لأعواد القصب في الكرسي أضاف إليها إطار من الحبل . هذا
الاستخدام للورق أحدث ثورة في الرسم وقد عمد بيكاسو في هذه المرحلة إلى تشييد
أشكال من الورق الملون أو المقصوص على نحو يماثل أجزاء من الجسم أو أشياء مألوفة
ثم إلصاق هذه الأشكال على لوح أو ورق كارتون لخلق تكوينات ثلاثية البعاد ،
واستعماله لعُلب المقوى وفتات الخشب.
قام
التكعيبيون إلى مزج اللون بالرمل بهدف الحصول على مادية الأشياء فمنذ عام 1930 عمل
بيكاسو أعمال نحتية من أي شيء يقع بين يديه: رمل، أكياس، ورق، علب، ساعات، عظام ... الخ . وأدخل
التكعيبيون في بعض أعمالهم حروف من عناوين ومواد مطبوعة وتخلى بيكاسو عن اللون
الاعتيادي وعمل نقوش بارزة من الورق المقوى والصفائح المعدنية.
المرحلة التركيبية 1912 – 1925:
في
هذه المرحلة من تطور التكعيبية يصبح (خوان جري) أبرز المثلين الفعليين للأسلوب
الجديد ، لقد عمل (جري) على الجمع بين التأليف المستمد من الطبيعة والبنية
المستقلة للمدى التصويري، وفعلاً كان (جري) الذي صاغ أشكاله بدقة ووضوح بيد
أولاً بتجريد بنية اللوحة وتنظيمها هندسياً، ثم يدخل إليها الموضوع الذي يبقى على
صلة واضحة بالطبيعة، وبحيث تتألف أشكاله – كما أعاد الفكر صياغتها – مع البنية
الأساسية للسياق الهندسي، ويشرح ذلك بقوله: "اعمل بواسطة عناصر الفكر،
وبواسطة المخيلة، فأحاول أن أجعل حسياً ما هو مجرد، انطلق من العام إلى الخاص، ذلك يعني أنني انطلق من فعل تجريدي
لأصل إلى الحدث الحقيقي، فني هو فن تركيبي، فن استدلالي، كما قال رينال".
السمات التحولية للتكعيبية :
1. اعتمدت التكعيبية التجريد التام بتحطيم الأجسام إلى سطوح
هندسية ممتدة في الفضاء ومتداخلة معه.
2. أهملت العاطفة وذلك بإهمالها اللون والاكتفاء بالألوان
الحيادية من البني والرصاصي والأخضر الداكن مما منح الأشكال طابعاً نحتياً.
3. عالجت البعد الثالث بطريقة جديدة يعتمد على خداع الظل
والضوء بتقسيم الظل والضوء على جميع الأسطح بالتساوي.
4. استبعاد الضوء لأنه يؤثر على الشكل ويعطيه ظاهراً يختلف
عن حقيقته وجوهره.
5. اتساع الخامات والتقنيات المستخدمة لتشمل الكولاج ومواد
النحت.
6. اهتمت التكعيبية بالشكل دون المضمون وأصبح الفن معها
عبارة عن سطح ذو طبيعة مشيدة بقوى ذهنية وحدسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أمهز، محمود. (1981). الفن التشكيلي المعاصر. بيروت: دار
المثلث.
2. ريد، هربرت. (1986). حاضر الفن. ترجمة سمير علي. بغداد: دار
الشؤون الثقافية العامة.
3. سيرولا، مورس. (1983). الفن
التكعيبي. ترجمة هنري زغيب. بيروت: منشورات دار عويدات.
4. عز الدين، إسماعيل. (1974). الفن والإنسان. بيروت: دار العلم.
5. مطر، أميرة حلمي. (1962). فلسفة الجمال. القاهرة: دار القلم.