الاثنين، 30 مارس 2015

لوحة الجورنيكا


Guernica by Pablo Picasso. 1937. Oil on canvas. 349 cm × 776 cm.
Source: PICASSO, la exposición del Reina-Prado. Guernica is in the collection of Museo Reina Sofia, Madrid.

تعتبر لوحة جورنيكا Guernica للفنان الاسباني بابلو بيكاسو Pablo Picasso من أعظم و أروع ما أنتج الابداع الانسانى وتعتبر من أثمن ما أنتجه الفن الحديث ، وهى إحدى أعمال بيكاسو الهامة ، والتى أنجزها قبل الحرب العالمية الثانية و مثّلت ترجمه للكابوس والحلم المزعج الذى شاهده فى منامه ، فترجمه الى هذه اللوحة التى تمثّل الحرب الأهلية ومصائبها فى أسبانيا فكانت هذه اللوحة رد فعل من جانب بيكاسو للهجوم النازى الوحشى على قرية "جورنيكا" الأسبانية وتحطيمها بالقنابل إبّان تحالف "فرانكو" طاغية أسبانيا مع النازيين فى فترة الحرب الأهلية الأسبانيّه.

والآن، مش ملاحظين إن ألوان اللوحة دائرة بالكامل تقريبا فى فلك اللون الرمادى ودرجاته؟ وده ليه؟ لأن شغل بيكاسو الشاغل فى اللوحة دى ما كانش وهج اللون بقدر ما كان شغله الشاغل هو الدراما والمأساة التى تحملها هذه اللوحه. ومش معنى كده طبعاً عدم إهتمام بيكاسو بالألوان.. بيكاسو ليه لوحات شفتها فى كتالوج صادر عن متحف الفن الحديث النيويوركى الشهير وفى هذه اللوحات ألوان صاخبة.. زى مثلا لوحته المشهورة "امرأة تنظر الى المرآة" اللى كانت كلّها ألوان حراريّة ماليها الأصفر والأحمر بجميع درجاتهما.

وبالمناسبة لوحة جورنيكا دى بعد ما بيكاسو توفّى فى 1973 أسبانيا طالبت متحف الفن الحديث بنيويورك بيها وبأنه يعيدها لأسبانيا باعتبارها تراث حضارى وثقافى انسانى أسبانى خاصة وان موضوع اللوحة متعلّق بتأريخ حدث موجع لأحد القرى الأسبانيّه، وفعلا بعد شد وجذب تم نقل اللوحة الى متحف "برادو" فى أسبانيا (وعلى فكره بيكاسو بعد ما أنهى لوحته وعرضها فى باريس كان أوصى أن اللوحة لا تعود الى أسبانيا إلا بعد تحريرها).

وعلشان نعرف مدى عمق تعبير لوحة "جورنيكا" فيكفى أن أذكّر بأنه فى مهرجان "وارسو" الدولى لأعياد الشباب وأعياد الصداقة والسلام الذى أقيم فى منتصف الخمسينيّات من القرن الماضى (مش فاكر التاريخ بالظبط للأسف وان كنت أعتقد أنه كان فى 1954 أو 1955) تم نسخ وتكبير لوحة "جورنيكا" لتغطّى سور عريض وكبير جدّا فى أحد ميادين وارسو الرئيسيّة فى اشارة الى ما تتضمّنه هذه اللوحة الخالده من المناداة بالرسالة الانسانيّة ضد التخريب والغدر وافناء البشر ، وهو ما يؤكّد مدى أهمّية رسالة الفن التشكيلى وامكانية استخدامه كسلاح يحسب له من يفهم عمق تأثيره ألف حساب.

عموماً.. وجود لوحة "جورنيكا" بالذات فى هذا الموضوع فرصة لكى نتحدّث عن الرمزيّة فى التكعيبيّة. وفى الحقيقة لازم أنوّه إلى أن بيكاسو لمّا عرض لوحته دى فى باريس أول مرّه عرض معاها أكثر من 60 رسم ولوحة تحضيرية له كانت كلّها فى صورة دراسات تشكيليّة للخيل والثيران وأشلاء الجثث.. ودى طبعا وليدة فهمه التكعيبى للفن التشكيلى بدون شك (مضافاً اليها بالطبع مغزى رمزى تعبيرى من جانبه).

فلوحة "جورنيكا" لوحة تكعيبيّة من ناحية بناء مكوّناتها الفنيّة على منهج هندسى ومن ناحية بنائها بالرماديّات المختلفة (بجميع درجاتها) حتى يتبيّن لمن يرى اللوحة احكام التركيب وعدم تشتيت تركيزه بالألوان.. واللوحة فى نفس الوقت على أعلى درجة من التعبيريّة، فمثلا: رأس الثور، ورأس الحصان، ورأس الأم الثكلى، والرأس الجريحة الملقاة على الأرض، والأيدى الممزّقة التى تئن بفعل الألم والتفتيت الذى أحدثته قنابل النازى.. كل دى مظاهر تعبيريّة فى غاية القوة والتأثير لم يصل بيكاسو اليها الاّ بعد عمليّات بحث عميقة وتجارب تحضيريّة مضنية للوحته.. فبيكاسو فى الرسوم التحضيرية كان من الواضح أنه درس وبحث بعمق شديد جدّا فى أسنان الحصان وأنفه وشفتيه (كل شكل على حده).
  • بصورة عامة:
من الناحية الرمزية فكل شكل فى هذه اللوحة يشير الى معنى عميق، فمثلا: الثور: يرمز الى وحشية القوات النازية المخرّبة التى لا تحكّم العقل ولا تحترم القيم الاخلاقية والانسانية. الحصان: يرمز إلى أسبانيا الجريحة (لاحظوا التعبير على وجه الحصان وفتحة فمه وأسنانه التى تعطى إحساس رهيب بالألم والمعاناة والتفتّت المختلطين بالغضب العاجز عن فعل شيئ). والرأس التى تصيح والذراع الذى يحمل المصباح: يرمزان إلى الضمير الإنساني الذى يلقى الضوء على مأساة قرية "جورنيكا" ليندب ضحاياها ويدعو الانسان إلى التأمّل فى كيف خلق بذاته أدوات التخريب التى يستخدمها بنفسه ليحطّم حضارته ويذبح انسانيّته غير عابئ بالقيم التى من المفترض أنه بلورها عبر العصور.

المأساة التى تعبّر عنها هذه اللوحة ليست معنوية فقط..إذ أن كل خط، وكل تحريف، وكل تمويج، أراد به بيكاسو التعبير عن هذه المأساة بلغة التشكيل ذاتها (وهو سبب قوّة مكانة بيكاسو وإلهامه). فانظروا مثلاً الى أسنان الحصان، ولسانه، وعينيه الدائرتين اللتين تشبهان عينى البومة أكثر من عينى الحصان.. تأمّلوا الأصابع التى تقبض على المصباح (اللمبه).. لاحظوا أيضا المصباح الكهربائى (اللمبه الكبيره التى فى أعلى اللوحة - فى وسط أعلى اللوحة المائل قليلاً إلى اليسار) هذا المصباح يكسو سائر اللوحة ويغمرها بنوره الباهر فى تعبير عن أنه لابد من ضوء بعد الظلام وفى رمزية عن وجوب تسليط الضوء على هذه الفضيحة الانسانيّة.إننا لو تأمّلنا فى سائر الخطوط والأعين فى هذه اللوحة فسنجدها كلّها فى حركات تتمّم وتكمّل بعضها البعض لتشكّل صور متشابكة متتابعة لمأساة "جورنيكا" (زى ما يكون الواحد بيتفرّج على فيديو كليب سريع الايقاع.. مليان حركه.. وصوت عالى). والحقيقة إن الرسوم التحضيرية للوحة "جورنيكا" واللى كان عددها فوق الــ 60 رسم تحضيرى كانت قيمتها الفنّية لا تقل قيمة عن اللوحة الأساسيّة لأن كل رسم كان وراؤه بحث متعمّق من جانب بيكاسو فى العلاقات الخطّية والعلاقات بين المساحات. ولو الواحد قعد يتأمّل فى هذه اللوحة ويعيش فيها سيكتشف أنه لو أراد أن يشاهد فيلم درامى على أعلى مستوى عن مذبحة "جورنيكا" فستكون اللوحة أكثر تعبيرا عن هذه المذبحة وتأثيرا فى نفسه كمتلقّى (لأنها تطلق له العنان فى التخيّل ومعايشة الحدث).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصادر:
http://en.wikipedia.org/wiki/Guernica_(painting)
http://www.pablopicasso.org/guernica.jsp#prettyPhoto

الاستلهام من الأشكال المركبة في المنمنمات الإسلامية - (2)

عنوان العمل: حلم الصعود. مساحة العمل: 30 × 30 سم. الخامات والوسائط المستخدمة: ألوان مائية وجواش وأقلام باستيل على ورق. عام الإنتاج: 2008م. ا...