بابلو بيكاسو، طبق فاكهة مع الكمان 1912
الكولاج collage أو التلصيق إجراء يقوم على لصق أجزاء من مواد غير متجانسة وتجميعها على سطح اللوحة، ولاسيما لصق ورق مقصوص على لوحة مرسومة بالفحم أو بالألوان.
مواكبة للتطورات السريعة والمتنوعة التي دخلت حياة الإنسان المعاصر من جوانبها كافة، تطورت وسائل التعبير ولغاته الشفاهية والبصريّة، من بينها الفنون التشكيليّة بضروبها وأجناسها المختلفة، كالرسم والتصوير والحفر المطبوع والنحت والإعلان وغيره. وقد أدرك التطور مضامين هذه الفنون وأشكالها ووسائل التعبير المستخدمة في تنفيذها، إضافة إلى الخامات والمواد الداخلة في بنيتها، مستفيدة بذلك من إفرازات «التكنولوجيا» الجديدة والإمكانات المادية الكبيرة التي وفرتها لها.
فمع هذه المعطيات الجديدة، لم يعد الفنان التشكيلي المعاصر يكتفي بالطرائق والوسائل التعبيريّة التقليديّة، بل اقتحم ميادين جديدة بحثاً عن مواد وخامات ووسائل حديثة قادرة على إغناء سطح عمله الفني تشكيلياً ومن ثم تعبيرياً. وأكثر الفنون التي أدركها هذا التطور المهم فنون الرسم والتصوير والحفر المطبوع؛ لارتباط هذه الفنون الوثيق بتطور علم الكيمياء و«التكنولوجيا» عموماً.
وهكذا قام الفنان التشكيلي المعاصر بإضافة مواد وخامات جديدة إلى سطح عمله الفني لم تكن معروفة في السابق، منها الورق والخشب والحديد والزجاج والبلاستيك والصور الضوئية وكثير مما تتلفه الصناعة والحياة اليوميّة، وذلك بتلصيقها فوق سطح اللوحة، إما وحدها، أو مع المساحات اللونية المنفذة بالفرشاة، وهذه العملية أطلق عليها اصطلاحاً (الكولاج)؛ وهو لفظ فرنسي يعني باللغة العربية (التلصيق)، وقد تجاوز استخدامه مجال الفن التشكيلي؛ ليغزو الأدب والصحافة والإعلام أيضاً.
لقد استخدم اليابانيون الكولاج في القرن العاشر الميلادي، ولكن استخدام الكولاج وسيلة أساسية يعود إلى القرن العشرين، أي العصر الذي شهد التحولات التقنية والفنية الكبرى، ومعها اتجاهات الفن ومدراسه المختلفة، بدءاً من الدادائية والتكعيبية وانتهاءً بالفن المفاهيمي (المفهومي) conceptual art والمركب والإيحائي… إلخ.
بابلو بيكاسو: «كمان وقطعة موسيقية» (1912)
فمع بداية العام 1910 شهدت العاصمة الفرنسية باريس ولادة العديد من الاتجاهات الفنية الحديثة، ومنها الأسلوب التكعيبي في الرسم والنحت، وقد ارتبط هذا الأسلوب بالفنانين جورج براك G.Braque وبابلو بيكاسو P.Picasso اللذين اشتغلا معاً، ما جعل إنتاجهما الفني يتشابه إلى حد التطابق، وهذا الأمر دفعهما للبحث عن وسائل تعبير جديدة، فقادهما البحث والتجريب إلى الكولاج الذي نهض في الأصل مع الاتجاه التكعيبي؛ إنما من خلال القيام بلصق مواد فوق قماشة اللوحة، كأشرطة الخشب، وورق الصحف والمجلات، وطوابع البريد، وحتى المواد البلاستيكية والزجاجيّة والصور الضوئية والأسلاك وغير ذلك من المواد والخامات، فولد بذلك فن الكولاج.
ومن الدوافع الرئيسية التي كانت وراء ولادة هذا الفن، تأكيد الإيحاء بالبعد الثالث في اللوحة، وتأكيد المنظور فيها، ما جعل اللوحة تبدو وكأنها نافذة تطل على عالم مرئي، أراد براك وبيكاسو تأكيده ومدَّه؛ من خلال هذا الفن الجديد الذي كان فن الرسم والتصوير أول ميادينه، ثم انتقل إلى باقي الفنون التشكيلية كالنحت والحفر المطبوع والأدب، ثم امتد؛ ليشمل العمارة الخارجيّة، والعمارة الداخلية، وجميع ذلك جاء رغبة في التمرد على الأشكال الكلاسيكية التقليديّة.
راؤل هاوسمن: «تاتلين في المنزل» (1920)
يأتي التكعيبيون والدادائيون والمستقبليون في طليعة الفنانين التشكيليين الذين اهتموا بفن الكولاج، واستخدموه بكثرة في أعمالهم الفنيّة. ومن أعمال الكولاج المشهورة لوحة «طبيعة صامتة» للفنان الإسباني بيكاسو وأعمال للفنان فرانسيس بيكابيا Francis Picabia ولوحة «ورق تلصيق منظم» Collage Arranged Papers للفنـان الألمـاني هـانس آرب Hans Arp ولوحة «تـاتلين في المنـزل» Tatlin at Home للفنـان الألماني راؤل هـاوسمَن Raoul Hausmann.
ويذكر محسن عطية في كتابه [التفسير الدلالي للفن] أنه في المرحلة التكعيبية أحدث بيكاسو بإسلوب الكولاج Collage صدمة. والأوراق المقصوصة حولت الصور إلى أخرى أفرغت من معناها، وحلت فيها معانٍ أخرى. والصدمة يحدثها الانتقال المفاجئ من المعنى الشائع الذى بدأ منه الفنان والمعنى الآخر المتزامن معه، حيث ينتقل المشاهد عبر نقطة بين عالم وآخر عبر وسيط حسي.
أيضاً هناك تقنية " قصاصات القماش"، وهي عبارة عن لصق عدة رقع من القماش المطبوع بشكل متفرق على واجهة قطعة قماش أساسية. وقد برع الفنان البريطاني John Walker بهذه التقنية في رسوماته في أواخر السبعينات ولكن قصاصات القماش كانت أساساً جزءاً مكملاً للأعمال mixed media الفنان Jane Frank خلال الستينات. أما الفنانة Lee Krasner الناقدة الذاتية الشديدة فكانت تقطع لوحاتها إلى أجزاء فقط لتصنع منها لوحة جديدة.
وبعد ولادة التقنيات الجديدة، وانهيار الحـدود بين الفنون عمد الفنان الحديـث إلى المزاوجة بين النحـت والتصوير، وبين الحفـر المطبـوع والصورة الضوئية والألوان الموضوعة مباشرةً فوق سطح المحفورة، وبين التصوير بتقاناته كافة وفنون الحفـر والنحت والتصوير الضوئي بوسـاطة الكولاج، ولازال عدد كبير من الفنانين يشتغلون على هـذه التقـانة، بهدف إغنـاء سـطح العمل الفني تشكيلياً وتعبيرياً؛ مـا يجعل الإحـاطة بنتاجـات هـذا النوع من الفـن الجديد صـعبة ومحـالة، كما صارت تداعياته وامتداداته أكثر من أن تحصى أو تعد.
- المصدر:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AC