الجمعة، 29 نوفمبر 2013

الفن في رسالته التربوية



أعتقد جازماً أن كلمة (الفن للفن) أصبحت، في هذه الأيّام في عداد الكلمات المحنطة مع مخلفات اللغة التي لا دور لها في الحياة العملية (الواقعية) البتة. إنما ينحصر وجودها كدليل لتاريخ تطور معاني الكلمات، وتوضيح التغيير الذي يطرأ على عموم المداليل والمفاهيم، عبر مراحل الزمن لهذا خسر (كروتشه) الرهان في مفهومه عن الفن عندما قال: "إنّ الفن يقصد ذاته في ذاته. لا يخضع لأي من القيم الأخلاقية أو الاجتماعية السائدة".

واعتقد جازماً أيضاً، أنّ الفن، هو للمجتمع، للشعب، للحياة، هذا هو المفهوم الصحيح الذي يدل عن حقيقة وجود الفن، في مضمونه وشكله، في غايته وهدفه، في رسالته وخدمته، قال (جوستاف كوربيه): "لم يكن هدفي الوصول إلى أن الفن للفن أبداً.. كلا.. ولا أن أكون فناناً مصوراً فقط، إنما إنسان.. وبكلمة واحدة أن أعمل فناً حياً.. هكذا كان هدفي".

إذن الفن لا ينفصل عن الواقع، وله دور أساسي في بنائه وتطويره، والفنان الحق هو ابن أمته، الذي يستمد فنه من ميدان حياتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والمادية. ويصوغه لها بنفسه الشفافة، وشعوره المرهف، وريشته المبدعة الخلاقة، فيسكب قضايا الحياة، ومفاهيم الوجود، ومعاني القيم والأخلاق، والسلوك والتربية، وسائر التطلعات المنشودة في الرقي والتقدم. (يسكبها ذوباً من روحه وعصراً من وجدانه)، عرائس خيال مبدعة، وآيات جمال رائعة. لوحات يصور في ألوانها وأضوائها وأصباغها، وكتل مادتها، الهموم وجبال المتاعب في أمته، كأنها زائلة، بفعل الإنسان وتفاؤله العظيم مجسداً فيها دأبه العنيد، في تحدي الصعاب، وقهر المستحيل، واستعذاب الصراع في الحياة. في الوجود.

فالفنان الحق هو الذي يكرس في فنه حب هذا القانون التاريخي الخالد.. قانون صراع الثنائية، الذي انبثق عنه ذلك المبدأ الخالد.. قانون صراع الثنائية، الذي انبثق عنه ذلك المبدأ الجدلي (الديالكتيكي). وما تمخض عنه من ميكانيكية في تغيير وتحويل تركيبات المجتمع وتطورات الحياة وسيرورة الكون والمادة معاً قال (بيير فرانكاستل): "في الفن واحدة من لحظات خلق الإنسان خلقاً مستمراً لذاته. خلقاً لواقع جديد ولقيم جديدة. لذا يرفض أن يكون وظيفة الفن مسخاً لواقع سابق الوجود.. بل لحظة جدلية ضرورية في بنية المجتمع البشري، وهو يصوغ صفحة وجهه".


فالفنان مقحم بالضرورة في هذا المعترك. والفن الذي ينتج عنه رسالة اجتماعية تربوية تؤدي غايتها من أجل الحياة والمجتمع، لابدّ أن تكون بالطبع متشعبة واسعة الأرجاء تدخل في سائر صنوف الحضارة البشرية. لهذا نرى من خلالها فعالية الفن وقوة إيجابيته، ووفرة مردوده وأثره في كل ما ولجه الإنسان وطرق بابه، سواء أكان في الطبع أو الفكر، في العقل أو الخيال، في التفس أو الروح إلخ. قال (أرسطو) قديماً: "وما الفن إلا بعض ملكة إنتاجية يوجهها العقل الحق". قال هيجل حديثاً: "بالفن أحرز الإنسان أوّل انتصار على المادة، قبل أن ينتصر عليها انتصاراً كلياً بالعلم". وأما (هوبسمان) فقد قال: "إذا صح أنّ العلم هو اكتشاف نظام كوني عام، وضروري بوساطة القياس. فما الفن، هذا الإنسان المضاف إلى الطبيعة هذا التسامي بالواقعية اليومية، إلا اقتلاعاً من المادية إلى الخارج..".

فالفن هو بجوهره اكتشاف وجهد وفكر، إلى جانب كونه إبداعاً وخلقاً وخيراً وجمالاً. فهو يجمع بين وحدة الفكر والطبيعة، كما يقول (شبلنج) الألماني؛ وهو يجمع بين وحدة الخيال والعقل. ففيه نتذكر مثلنا ونتصور نماذجنا وانسجامنا، وفيه نكتشف السمو الكامن في أعماق وجودنا، وهو كل الكمالات المشفوعة بها قوانا الروحية والنفسية والجسدية – المادية –. إنّه بمثابة المركز الهندسي لجميع القيم التي يهدف بها الإنسان نحو الخير والجمال والحق.

وبهذا المفهوم المشبع بالسمو والتجريد والعمل والعاطفة يمثل الفن، كما أسلفت، مكانته الاجتماعية في الأُمّة. ويأخذ قسطه الأوفى في رسالة التربية فيها.

فهو أفضل الأدوات التي يتربى (يتعلم) الإنسان بواسطتها كيف يضاف إلى الطبيعة وكيف تصبح هذه الطبيعة امتداداً له، ويقلب جفافها ووحشيتها إلى حضارة ورقة وجمال. ويجعل الحياة، بالتالي فيها، تمور بالتطور والخلق والابتكار. قال غوته: "على الفنان أن يؤسس في الطبيعة ملكوته الخاص به خالقاً منها طبيعة ثانية".

ولا يغرب عن بالنا أنّ السمو الفني ليس عبارة عن لذات وعواطف فحسب. بل أنّه جهد نفسي وفكري وعقلي معاً. قال (تولستوي): "ليس الفن متاعاً، أو لذة، أو ألهية. بل الفن عضو حياتي في الإنسانية ينقل إلى حقل العاطفة إدراكات العقل".

وقال (هربرت ماركيوز)، أيضاً: "حقيقة الفن تقوم على تحرر الحساسية في إعادة توافقها مع العقل".

وأما جوانب التذوّق فيه – في الفن – جوانب العواطف لا تكون كما هي عليه في الطبيعة. بل تكون دوماً مشفوعة بجوانب الجمال ومصعدة بقيمه العالية السامية التي تطرد كل المشاغل النزوية من ساحها. وتعلو على كل الطبائع الحيوانية في الإنسان. فمن نافذة الجمال هذه تمكن الفن أن يصبح أداة تربوية صالحة في المجتمع، مثلاً في معالجة قضايا الكبت، وإظهار كل المشاعر والأحاسيس المطمورة بالقمع والقسر. إظهارها بصورة إنسانية راضية. مسلمة بالقيم النابعة من أغوار النفس الإنسانية وعلى رأسها قيم الحرية. فالفن أكبر وسيلة لتربية الحرية في نفس الفرد والمجتمع معاً. وأكبر عامل لنفي كل مظاهر العبودية والاستلاب في المجتمع. يقول (هربرت ماركيوز) نفسه: "ارتباط الفن بالصورة يعوق نفي العبودية. وحتى يتحقق نفي الاستلاب ينبغي أن يظهر الاستلاب عبر الفن بمظهر الواقع الراهن والتحكم فيه.. فالفن هو حليف الثورة".

وحتى لا يكون الفن قد قاد الإنسان إلى الحرية الفردية، التي ينشدها أعداء المجتمع والحياة. النزاعون إلى التقوقع على الذات والاستغراق في التأمل. المحصور بين عظام الجمجمة وبين أربعة جدران.. البعيد عن أي نبض في الحياة. وعن أيّة معاناة ميدانية في الواقع. لتبقى "الأنا" بنظرهم شامخة في قصرها العاجي الخيالي. كما يقول (كلود برنار) أحد المتطرفين في هذا المذهب: "إنّما الفن أنا".

بل ليكون الفن الحقيقي هو الذي يقود الإنسان ليتعامل مع الحرية، ليس بمفهوم هذه (الأنا) المطلقة، بل بمفهوم (الأنا – النحن). فالفن بطبيعته الأصلية ذو طابع اجتماعي بحت وإن كان من صنع إبداع ذاتي. لأنّّ هذا الإبداع الذاتي يعكس العام من النماذج بشكل فردي محسوس. يعكس كل ما يشعر به الناس. ويحول الخفي المبهم عندهم إلى شعور تام واضح. فالفن إذن ناتج عن انعكاسات الصور الواقعية في الطبيعة والحياة والمجتمع. انعكاساتها في عدسة نفس الفنان الشفافة. هذا الإنسان المكثف لمجتمعه المحشود وعياً لواقعه. المصفى من نقاء المناقب والصفات وخلاصة الوجود. فهو الإنسان الفرد – العام، إذا جاز هذا التعبير. المستشرف لزمنه، القابض على دفة المبادهة في قضايا الحياة بشعور من الحرية المسؤولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر:
وهيب سراي الدين، عن كتاب (في معنى العمل ومقالات أخرى في التربية والفن والمنطق العلمي).

دور الفن والتربية فى التمنية البشرية


إذا أردنا شعبا علينا تعليمة الإحساس وفهم الجمال، وذلك هو دور التربية الفنية، أي تعليم الفنون التشكيلية لبناء الشخصية، ويبدء من الصغر وعلى أكتاف التربية الفنية، وتعتبر تعليم المهارات للحرف اليدوية من أهم الموارد البشرية كالعمود الفقري الذي يقوم عليه ومن أجله سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار الانسان هو صانع التنمية وهدفها.

لقد تنوعت طرق التدريس الحديثة تبعاً لتغير النظرة إلي طبيعة عملية التعليم، فبعد أن كانت تعتمد على الحفظ والتسميع اتسعت لتشمل المستويات الإدراكية المعرفية مما يتطلب إيجابية المتعلم في التعليم بهدف إظهار قدرات الطلبة الكامنة والارتقاء بها، ولم تعد الأساليب التقليدية في التدريس تلائم الحياة المعاصرة، ولذلك ظهرت نظريات تربوية عديدة تساعد على اكتساب العديد من المهارات العقلية والاجتماعية والحركية، وتتمثل مهمة المعلم الحديث وفقاً للطرق الحالية في إتاحة الفرصة للمتعلمين لتحصيل المعرفة بأنفسهم، والمشاركة بفاعلية في كافة أنشطة التعليم، والإقبال على ذلك برغبة ونشاط حتى يعتادوا الاستقلال في الفكر والعمل والاعتماد على الذات.

ولهذا فان المؤشرات المتعلقة بتنمية المهارات الفنية تعتبر مؤشرات واقعية للدلالة على مرحلة النمو في أي مجتمع اكثر من أي مجال آخر، ومن تلك المؤشرات ما يتعلق بالتعليم الفني والمهارى بشكل عام، والتدريب على الحرف اليدوية بشكل خاص كونه المعنى بتزويد العملية الإنتاجية في أي مجتمع بالمهارات والقدرات الإنتاجية المختلفة، خصوصا في ظل ما يشهده العالم من تفجر تقنى في المجلات كافة، وما يترتب في أساليب العمل، وتجعل من عملية التأهل التحدي الأساسي الذى نواجه به الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية كافة، ونمو النواحي الحسية والجمالية والثقافية، وتعديل سلوك الفرد في المجتمع.
  • وإليكم أعزائى هذا المثال:
ما الذي يمكنك أن تفعله ببضعة قصاصات من الورق الملون؟
غالباً لا شيء.. لكن لو أضفت إليها بضع قطرات من الإبداع قد تتحول إلى لوحات فنية مدهشة:


فما تشاهدونه في هذه الصورة هو أحد فنون الرسم الغير تقليدية التي تعرف بفن الرسم بقصاصات الورق الملوّن (Quilling). قد يكون الاسم غير مألوف للكثيرين، لكن المدهش هو أن فن الرسم بقصاصات الورق الملوّن فنٌ قديم يعود لأيام الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر.

يعتمد هذا الفن بصورة رئيسية على قطع قصاصات متساوية من الورق في صورة شرائح طويلة ثم لفّها حول نفسها بأداة خاصة تعرف باسم إبرة لفّ الورق (Needle Quilling Tool)، وتأتي بعدها مهارة الفنّان في توظيف هذه القصاصات الملفوفة لصنع أعمال فنية رائعة، وتثبيت قصاصات الورق بالصمغ. وقد نشأ هذا الفن في الأصل لتزيين أغلفة الكتب والأشياء الدينية في أوروبا أثناء الثورة، ثم تحول في القرن الثامن عشر إلى هواية لسيدات الطبقة الراقية في أوروبا كنشاط يقضين به الوقت دون إرهاق ذهني. لم يتغير فن طيّ الورق الملوّن كثيراً منذ ظهوره، لكنه تحول هذه الأيام لوسيلة دعائية وتسويقية مميزة، فضلاً عن استخدامه لتزيين الهدايا، أو عمل لوحات فنية مبتكرة.







كل الأعمال التي شاهدناها في الأعلى للفنانة (كاثلي) التي جمعت هذه اللوحات في صفحتها على موقع (Deviant Art)، وعلى الرغم من جمال هذه الأعمال وتميزها، إلا أن الفنانة الروسية (يوليا برودسكايا) ذهبت بفن الرسم بقصاصات الورق الملوّن إلى أبعد من ذلك بكثير:

وقد حصلت (برودسكايا) على ماجستير في التواصل باستخدام الجرافيك عام 2006، وبدأت من حينها في ابتكار أعمال فنية أدهشت العالم كهذا البورتريه:


تعمل (برودسكايا) بشكل أساسي في الدعاية والتسويق، وتقوم بعمل لوحات فنية لكثير من الشركات الكبيرة لترويج منتجاتها، وهذه بعض أعمالها التي أكسبتها شهرة عالمية:






ويمكنكم مشاهدة المزيد من خلال موقعها artyulia.com، وهذا الفيديو يوضح لكم مُقدمة عما تحتاجونه لبدء أعمالكم الخاصة:


أجمل ما في الإبداع هو أنه ليس له حدود!

الاستلهام من الأشكال المركبة في المنمنمات الإسلامية - (2)

عنوان العمل: حلم الصعود. مساحة العمل: 30 × 30 سم. الخامات والوسائط المستخدمة: ألوان مائية وجواش وأقلام باستيل على ورق. عام الإنتاج: 2008م. ا...