للفن أثر قوى على تقدم البشرية غالبا نراها مصاحبة لأي تقدم يحققه الإنسان. الفنان هو في الواقع مصدر إلهام لأصحاب المشاريع المنتجة التي تخدم حياة البشر؛ فلمسات الفنان تعيش معنا في كل مكان بداية من المنزل، الذي صممه المعماري، واللوحات الفنية التي تزين جدرانه والتي أبدعتها ريشة فنان من تناسق وتناغم في الألوان، وأيضا ديكورات المنزل لها أصول وفنون لا حصر لها، ومفروشات مزينة بألوان ونماذج تسر العيون، وتصميم الحدائق والطرق كل ما يحيط بنا وراءه فنان. حتى السيارات بأشكالها وأحجامها وخطوطها الانسيابية التي تلائم ذوق العصر، والشوارع التي تزين بالمصابيح والتماثيل والجداريات والعمارة الخلابة، وحتى وصفات الطعام فهي أيضا إبداع فنانة أو فنان.
اللوحة للفنان العالمي كلود مونيه، بعنوان امرأة مع شمسية (مدام مونيه وابنها)
إن تاريخ الفن مرتبط بتاريخ البشرية؛ فالإنسان يعبر بأدوات تعبيرية مختلفة عن مشاعره وبها يعبر عن تاريخه الخاص وهو أيضا بمثابة مرآة لتاريخ عصره، ومن الوسائل الفنية المعروفة لعالمنا الحديث منها الموسيقى، الرسم، الشعر، النثر، البالية، الأوبرا، الأفلام، المسرحيات والغناء، والإنسان الذي لا يحترف مهنة الفن لا يستطيع مقاومة تعبير ما بداخله من خلال هذه الوسائل التعبيرية وحيدا أو بين أصدقائه وعائلته؛ فالإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يعيش بدون هذه الفنون لأنها تجدد من طاقته لمواجهة الحياة من مسئوليات ومصاعب. فالفنون هي المرفأ الذى يسكن إليه الإنسان المتعب بعد جهد عمل يوم طويل لينعم بلحظات من الراحة والهدوء، حتى الأطفال الرضع تسكن روحهم بسماع الموسيقى الهادئة.
اللوحة للفنان العبقري ليونارد دافنشي هى رسم تخطيطي لطائرة
إن الشعوب المتحضرة تهتم بالفنون وتعمل على تقديم أعمال الفنانين وتستعين بهم في جميع المجالات يكثر بها أعمال النقاد الذين هم بمثابة المراقبين على أن يسير العمل الفني في المسار الجاد الذي يحترم عقل الإنسان وذوقه الرفيع. فالفن هو خلاصة الإبداع الإنساني، والإبداع الإنساني لا يظهر بدون الحرية والإخلاص الروحاني، فالفن هو ما يصل إلى الروح والقلب وكل ما لا يؤثر على الروح لا يستمر ويصنف كعمل فني متواضع القيمة. فالفنانون المشهورون، يشتهرون بسبب إبداعهم وأسلوبهم الفريد في العمل، فأعمالهم هي التي تدهش المتلقي وتؤثر روحه وقلبه حتى الأعمال التي تمت منذ آلاف السنين بإخلاص ومحبة لا تزال تسر المتلقي وتدهشه.
والفنان يستمد طاقته الروحانية من الله سبحانه وتعالى يلجأ إليه ينظر إلى خلقه فخلق الله يدهش الفنان كل لحظه وعندما يبدأ الفنان عمله يسلم روحه للإلهام الذى يعيش فيه لحظات ليس لها مثيل لحظات لا تتكرر و لذلك يصعب على الفنان تكرار عمل أبدعه؛ فالفنون هي عطايا الله للبشر فعندما تسطع على عقل الموسيقى تتجلى في صورة نغمات جميلة تغذى القلوب والأرواح، وعندما تداعب خيال الشعراء تخلق إبداعات من النثر والشعر والقصائد الغناء وعندما تلهم فكر الرسام تخلق لوحات رائعة الجمال من تناسق واتزان في ألوانها، فالطبيعة وما خلق الله في الوجود هو ما يجذب الفنان ومنها يستخلص القواعد والأصول والموازين التي يبنى عليها فنه.
اللوحة للفنان العالمي كلود مونيه، بعنوان انطباع، الشروق (انطباع، شروق الشمس)
ولكن عندما ينظر الإنسان إلى الفن باستهتار ويهمل قيمة الفن والفنان نرى أن الذوق العام يأخذ في الانحدار ويتجه الفنان الغير مخلص لعمل فن هابط لكي يتكسب العيش ويظهر على السطح شيء يقترن باسم الفن الذي ليس له قيمه لحياة ورفعة الإنسان بل يؤذيه. فيختفى جمال الروح وتظهر الغلاظة في القلوب وضيق الأنفس وتختفي الحدائق الجميلة وتصبح مكانا لإلقاء القمامة وتصبح الأذن صماء لأنها لا تستطيع أن تميز بين ما هو جميل وقبيح ونرى اللوحات الفنية ما هي إلا تكرار لرسومات تختفي منها المقاييس الإبداعية ويصبح الإنسان مهملاً في معيشته وملابسه ومظهره، ورد فعل الإنسان مع هذا الشعور هو إهمال نفسه لنفسه وللآخر وهو انتقام منه بسبب سوء معاملة إحساسه وفرض تعديات على مشاعره الروحية، ولا يستطيع بعدها أن يتأمل الطبيعة بل يصبح عدوها اللدود... يا الله!
فلنفتح الأبواب للفنون الجادة الراقية حتى ترقى قلوبنا وأرواحنا ونصبح على مستوى عال من الإبداع في جميع مناحي الفنون ونشارك العالم بفنوننا الجميلة وننظر حولنا ونبدأ بزرع شجرة أمام كل دار ونزرع الورود في البلكونات وعلى أسطح المنازل وننظف منازلنا والشوارع المحيطة بنا، وأن نحافظ على ممتلكات الدولة من وسائل النقل والطرق ومياه النيل والثروة الخضراء في الحدائق والحقول، هذه دعوة لصحوة جمالية لمصر الحبيبة ودعوة بأن لا نعود فقط بجمال ما نشاهدها به في أفلامنا القديمة بل لجمال أحدث ليلائم عصرنا المتقدم بتقدم مذهل، حتى تبعد أيضا شبح الأمراض التي نسمع عنها يوميا، فحياة نظيفة وفن راق لن يكلفنا إلا القليل ولكن سيبعد عنا الكثير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المصدر:
بسمه موسى. جريدة اليوم السابع. الأحد، 6 سبتمبر 2009 - من الموقع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق