الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

المحاضرة الأولى - مدخل لدراسة المنظور


المنظور والرسم الهندسي

تفصيل من لوحة دراسة لمنظور خطي. ليوناردو دا فينشي. حوالي (1481). أوفيزي بفلورنسا.

المنظور أسلوب يستخدمه الرسّامون ليُضفُوا على رسوماتهم الإيهام بالعمق والبعد؛ فعندما يرى المشاهد صورة استُخدم فيها هذا الأسلوب، فإنه يأخذ انطباعا بأنه ينظر من خلال نافذة يمثل الإطار فيها جوانب الصورة، ويبدو له أن المنظر يتراجع في البعد من نقطة ثابتة تقع عند الجانب القريب من المشاهد عند النافذة.

والمنظور هو تمثيل الأجسام المرئية على سطح منبسط (اللوحة)، لا كما هي في الواقع ولكن كما تبدو لعين الناظر في وضع معين وعلى بعد معين من خلال زوايا رؤية مختلفة.

وهناك أنواعاً عدة للمنظور نذكر منها المنظور الهوائي، والمنظور الخطي.

وعلى الرغم من أن بعض الحضارات قد طورت أنماطًا من الرسم المنظوري ـ كالصينيين والهنود - مثلاً ـ إلاَّ أن الأنماط الشرقية في مُجملها لا تُعطي التأثير الواقعي كالذي توحي به الأساليب الغربية.

  • المنظور الهوائي/ الجوي (اللوني):
يرتكز على حقيقة مفادها أن كلاَّ من الضوء، والظل، واللون، يتغير وفقاً لبعد الجسم عن نقطة المشاهدة؛ فعلى سبيل المثال، نجد أن الأشياء البعيدة تبدو أكثر ضبابية، وغير واضحة المعالم فيما يختص بخطوطها الخارجية، على عكس الأشياء التي تُشَاهَد عن قرب. كما أن لون السماء يتغيّر أيضًا من الأزرق الشديد الزرقة فوق الرأس مباشرة، إلى اللون الأزرق الفاتح الذي يزداد إشراقًا كلَّما اقترب من الأفق. ويقوم الفنّان بإحداث المنظور الهوائي عن طريق تغيير درجات اللون، وقوة خطوط الصورة، ووضوح هذه الخطوط.

المنظور الهوائي، مشهد يصور بُعد المسافة.
وذلك برسم سماء زرقاء فوق الرأس مباشرة وسماء بلون أزرق فاتح في الأفق.

  • المنظور اللوني من حيث شدة اللون:
إن المنظور كما تراه عين الإنسان هو ظاهرة بصرية تدخل في تعريفها عوامل فيزيولوجية وضوئية فعندما ينظر الإنسان إلى جسم ما تتكون لديه صورتان لهذا الجسم تتطابقان لتعطيان صورة واحدة فيها ذلك الإحساس الذي يساعد على تقدير العمق. يمكن تقسيم الألوان إلى قسمين، الألوان الدافئة، وهي التي تشعرك بالدفء عند النظر إليها، مثل الأحمر ومشتقاته، والأصفر ومشتقاته، والألوان الباردة، وهي التي توحي للبرودة والارتياح، وهي الأزرق ودرجاته، والأخضر ودرجاته.

تقسيم الألوان له أثر كبير في المنظور اللوني من حيث الإيحاء بالدفء أو البرودة، فالألوان لها دور في الإحساس بالعمق ولها دلالة على الإحساس بالبعد الثالث في العمل الفني على الرغم من أنها تعدو ان تكون مسطحا ذا بعدين. تقع العين على الألوان الدافئة قبل الألوان الباردة، إذ أن الألوان الحارة موجتها أطول من الألوان الباردة، وهي تبدو متقدمة والألوان الباردة تبدو متأخرة، كمثال عندما تنظر إلى الطبيعة وخاصة في فصل الربيع، فإننا نرى الزهور الحمراء والصفراء تقع في مقدمة الصورة والألوان الزرقاء والخضراء تشكل أرضية للألوان الحارة مما يساعد على تأكيد العمق. وعندما توزع مجموعة من الألوان في مساحة ما نستطيع تمييز اللون في البعد القريب، فاللون الأصفر تحسه العين ويظهر على بعده الحقيقي، في حين أن ألوان الأخضر والأزرق تظهر مبتعدة، أي تظهر وكأنها متراجعة إلى الوراء، أما الأحمر فيبدو أقرب إلى النظر من المسافة الحقيقية وهذا ما يعرف بـ التأثير المنظوريِ للألوان.

إن شدة اللون هي درجة تشعبه ولها الأثر الكبير في عملية المنظور اللوني وعلاقته بالأحاسيس بمدى بعد أو قرب هذا اللون عن المشاهد، فعند النظر إلى الطبيعة ذات المدى البعيد نجد أن طبقات الجو تتكاثف وتؤدي دورًا في عمل ضبابية بين الأشكال والألوان والعين وتصبح درجة تشبع هذه الألوان قليلة كلما ابتعدت تلك الألوان عن العين واقتربت من اللون الرمادي المزرق الذي يشبه لون السماء. والنتيجة أن الألوان التي تكون مشبعة تبدو واضحة وتظهر قريبة من المشاهد العين عكس الألوان التي تكون أكثر شحوبا من الأشياء القريبة، واللون الأخضر المختلط مع اللون الرمادي يظهر على الأشجار البعيدة جدا وتبدو التفاصيل غير واضحة نتيجة وجود الضبابية الجوية المكونة من الضباب والغبار.

في هذه الصورة، يتم توضيح المنظور الجوي من خلال الجبال البعيدة المختلفة

  • المنظور اللوني والخداع البصري:
لقد عالج الفنان الأشكال الهندسية المجردة والمنظمة بطريقة تجعل العين تشعر بأن هذه الأشكال غير مستقرة في مكانها وتتحرك فعلاً وهذا يرجع إلى النظرية العلمية التي تتصل بالإدراك البصري أو الخداع البصري وهذا الشيء لا يتحقق إلا بتشابه صفات الأشكال الأرضية من حيث قوة اللون والتباين الشديد بأن تكون المساحات متساوية فيحدث للإدراك نوع من التذبذب أو الحركة وتشعر العين بأن الأشكال تتحرك، أي تخدع بالقريب والبعيد. وللون دور كبير في خداع البصر، وهذا التصرف اللوني قد بدأ مع الفنان (فكتور فاز ريلي) وأصبح أسلوبا خاصا به، ثم شاع أسلوبًا فنيًا.

خداع بصري لوني (Trompe-l'œil) = (بالفرنسية ترمبلوي).
لوحة الفرار (صبي يهرب من لوحة) للفنان بيري بوريل ديل كاسو. (1874).
ألوان زيت على قماش. (75.7 × 61 سم). من مجموعة بنك إسبانيا الوطني.

  • المنظور الخطي:
أسلوب يُسْتَغَل لإبراز كل من البعد والعمق من خلال شكل الأجسام وحجمها وموقعها. ويعتمد المنظور الخطي على الخِداع البصري الذي يُوهِم بأن الخطوط المتوازية تبدو وكأنَّها تتقارب كلما تراجعت صوب نقطة التلاشي. وهذه النقطة تمثل الموضع الذي يتراءى للمشاهد أن الخطوط المتوازية تلتقي عنده في الأفق. كما يعطي المنظور الخطي الإيهام بالعمق؛ وذلك بجعل الأجسام الأكثر بُعدًا أصغر وأقرب لبعضها بعضًا.

المنظور الخطي بجعل الأشياء البعيدة أصغر حجمًا ورسمها قريبة من بعضها.
ويوضح الرسم نقطة التلاشي، النقطة التي تتلاقى فيها الخطوط المتوازية في نقطة بعيدة.

أول من أدرك قاعدة الرسم المنظوري بنوعيه هم الفنانون الإغريق والرومان. لكننا نجد أن هذين الأسلوبين قد هُجرا خلال العصور الوسطى التي بدأت خلال القرن الخامس الميلادي. وأعيد العمل بالرسم المنظوري خلال عصر النهضة الذي بدأ في إيطاليا إبان القرن الرابع عشر الميلادي.

بلغ الاهتمام بالرسم المنظوري أوجه في رسم اللوحات الزيتية التي رُسمت في عصر النهضة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. ففي حوالي عام 1425م، رسم المعماري البريطاني فيليبو برونلسكي صورتين لمدينة فلورنسا، استخدم فيهما المعادلات الرياضية لإحداث المنظور. وقد كان لإنجازه هذا وقْعٌ كبير على فناني عصر النهضة الذين فُتِنوا به، ومن ثم شُغِفوا باستخدام المنَظور لتحقيق قدر من الواقعية عند تصوير الفضاء والمسافات. وألَّف معماري إيطالي آخر يُدعى ليون باتيستا ألبرتي كتابًا أسماه التصوير التشكيلي؛ عام 1435م، وكانت هذه أول دراسة علمية للمنظور. كما عرض الفنان والعالم الإيطالي ليوناردو دافينشي كثيرًا من التجارب التي تحرّت عن كيفية رؤية العين للأشياء من على مسافة بعيدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصادر:

Wikipedia. Perspective (graphical). https://en.wikipedia.org/wiki/Perspective_(graphical)
المعرفة. منظور. (https://www.marefa.org/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D8%B1)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاستلهام من الأشكال المركبة في المنمنمات الإسلامية - (2)

عنوان العمل: حلم الصعود. مساحة العمل: 30 × 30 سم. الخامات والوسائط المستخدمة: ألوان مائية وجواش وأقلام باستيل على ورق. عام الإنتاج: 2008م. ا...