السبت، 30 نوفمبر 2013

حلم، حقيقة، وخطأ

لنحلم..

من حق كل شخص أن يحلم بما يريد..
يرسم حياته التي يحب، ويصبح كما يتمنى..
من حقك.. فلا تحرم نفسك، وإن كثر الضاحكون..
احلم، واستمتع بحياتك..

لوحة (الحلم) للفنان بابلو بيكاسو، زيت على توال، 1932م.

  • حقيقة:
نعاني كثيراً من مشاكل تعطل أيامنا، وتكدر صفو حياتنا، نهاراً وليلاً تشغلنا، تأكل وتشرب معنا، ننسى الضحك معها، ونتحد بالهم والحزن بسببها، وفي لحظه لم تحسب لها حساب تحل المشكلة، ويستمر اليوم بعكس ما ابتدأ به يوم عادي فرح وسعادة، يغمرنا النشاط، والأفكار تجتاح سمائنا، نظره إيجابية لكل ما حولنا، يوم كأي يوم، وقد يكون أفضل، وفجأة ودون سبب أو مبرر، يغمرنا الحزن مره أخرى، ونبدأ بالبحث عن كل ما يزيد همنا، وبسبب أتفه الأمور نفتعل المشاكل مع الكل.

لكن ما السبب الحقيقي وراء تقلب المزاج المباغت؟

ترسبات المشاكل وراء تلك المشاعر التي بدون مقدمات تنبع، سببتها مشاعر قديمة وأحداث مؤلمة مع بعض الأشخاص أو عُرضنا لمواقف بسبب الغير لا ذنب لنا فيها جرح مشاعر، أو إهمال عُوملنا به، ظلم قيدنا، وأوضاع أجبرنا عليها.

لهذا أعط نفسك يوم استرخ فيه وتأمل مواقف مررت بها قديماً، وحاول ان تتخلص من تلك الترسبات بأن تضع حد لها، فإن كنت تعاني بسبب شخص، صارحه وأنهي معاناتك معه، وأن لم تستطع، فتخلص من المشاعر السلبية بالطرق المعروفة الآن في مجال تطوير الذات (العلاج بخط الزمن – تكديس الإرساء – تحطيم المعتقدات السلبية)، أبحث عن حل، لا تستلم لهذه الأمور التي قد تحول حياتك لجحيم، وهي أتفه من أن نذكرها.

حقيقة، انظر إلى الجانب المشرق في حياتك تشرق حياتك.

لوحة (صرخة)، من أعمال المدون، أحبار ومواد مختلفة على ورق، 1997م.

"هل للصرخات ترجمة ومعاني،، وهل لنا الحق أن نصرخ،، ومن يفهم هذا الصراخ،، لا أحد .."

  • أخطأت:
كنت أتحدث مع أحد أصدقائي وإذا به يتصرف بغضب وعصبيه، حاولت أن أوضح له وجهة نظري إلا أنه استمر في غضبه حتى نسيت أنه غاضب مني، لم افهم لماذا غضب، فقد كنت صريح وواضح معه وأتحدث بكل بساطة، لكنه مع هذا كله غضب مني.

قبل أيام غضبت أنا بدوري من أحد أصدقائي، ومازلت اشعر بغضب كلما تحدثنا أو حاولت الاتصال به، واليوم أعدت الكره، أخذت بعض الوقت أفكر بما حصل عند اختلاف الآراء، يتمسك كل واحد منا برأيه، وكأنه على صواب دائم، وأحيانا يكون لكلانا وجهة نظر صحيحة لكنها من زاوية أخرى، وهذا ما يخلق بعض التوتر والغضب دون أن نعيه.

في لحظه ننسى أن التجارب التي تمر علينا والخبرات التي عرفناها في حياتنا كونت صورة وواقع في عقلنا الباطن مما يجعلنا نحكم على بعض الأمور بسرعة قبل أن نأخذ بعض الوقت في التفكير، فبعض الأمور طبعت في رؤوسنا على أنها صحيحة وحقيقتها خاطئة، أو قد تكون صحيحة في ذلك الوقت، ولكن ليس لكل وقت، البعض لديه خبرات اقل ونظرته للأمور محدودة فبناء عليها يكون رأيه.

لهذا يجب أن نتذكر أننا نرى الحقيقة من خلال تجاربنا نحن، وخبراتنا والقيم التي زرعت على مر السنين، وكثيرا ما نخطئ في طرح حقيقة معينه والتمسك بها وبعد فترة نكتشف الواقع، وكثيراً ما نشكك في صحة رأي أي شخص خاصة إذا كان أقل منا خبرات أو أصغر عمرا.

فلنقبل بوجهات النظر المختلفة، فمنها نستطيع أن نكون أراء جديدة وفكره قوية، فكل ما وسّعنا دائرة المعرفة لدينا زادت خبراتنا وفهمنا للواقع، لهذا فلنراقب أفكارنا وخبراتنا ونراجعها ونحسن من أنفسنا، ولكل من أخطأت في حقه عذراً.

لوحة (طائر الاحزان)، من أعمال سعيد القطان، حبر على ورق، 2001م.

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

الفن في رسالته التربوية



أعتقد جازماً أن كلمة (الفن للفن) أصبحت، في هذه الأيّام في عداد الكلمات المحنطة مع مخلفات اللغة التي لا دور لها في الحياة العملية (الواقعية) البتة. إنما ينحصر وجودها كدليل لتاريخ تطور معاني الكلمات، وتوضيح التغيير الذي يطرأ على عموم المداليل والمفاهيم، عبر مراحل الزمن لهذا خسر (كروتشه) الرهان في مفهومه عن الفن عندما قال: "إنّ الفن يقصد ذاته في ذاته. لا يخضع لأي من القيم الأخلاقية أو الاجتماعية السائدة".

واعتقد جازماً أيضاً، أنّ الفن، هو للمجتمع، للشعب، للحياة، هذا هو المفهوم الصحيح الذي يدل عن حقيقة وجود الفن، في مضمونه وشكله، في غايته وهدفه، في رسالته وخدمته، قال (جوستاف كوربيه): "لم يكن هدفي الوصول إلى أن الفن للفن أبداً.. كلا.. ولا أن أكون فناناً مصوراً فقط، إنما إنسان.. وبكلمة واحدة أن أعمل فناً حياً.. هكذا كان هدفي".

إذن الفن لا ينفصل عن الواقع، وله دور أساسي في بنائه وتطويره، والفنان الحق هو ابن أمته، الذي يستمد فنه من ميدان حياتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والمادية. ويصوغه لها بنفسه الشفافة، وشعوره المرهف، وريشته المبدعة الخلاقة، فيسكب قضايا الحياة، ومفاهيم الوجود، ومعاني القيم والأخلاق، والسلوك والتربية، وسائر التطلعات المنشودة في الرقي والتقدم. (يسكبها ذوباً من روحه وعصراً من وجدانه)، عرائس خيال مبدعة، وآيات جمال رائعة. لوحات يصور في ألوانها وأضوائها وأصباغها، وكتل مادتها، الهموم وجبال المتاعب في أمته، كأنها زائلة، بفعل الإنسان وتفاؤله العظيم مجسداً فيها دأبه العنيد، في تحدي الصعاب، وقهر المستحيل، واستعذاب الصراع في الحياة. في الوجود.

فالفنان الحق هو الذي يكرس في فنه حب هذا القانون التاريخي الخالد.. قانون صراع الثنائية، الذي انبثق عنه ذلك المبدأ الخالد.. قانون صراع الثنائية، الذي انبثق عنه ذلك المبدأ الجدلي (الديالكتيكي). وما تمخض عنه من ميكانيكية في تغيير وتحويل تركيبات المجتمع وتطورات الحياة وسيرورة الكون والمادة معاً قال (بيير فرانكاستل): "في الفن واحدة من لحظات خلق الإنسان خلقاً مستمراً لذاته. خلقاً لواقع جديد ولقيم جديدة. لذا يرفض أن يكون وظيفة الفن مسخاً لواقع سابق الوجود.. بل لحظة جدلية ضرورية في بنية المجتمع البشري، وهو يصوغ صفحة وجهه".


فالفنان مقحم بالضرورة في هذا المعترك. والفن الذي ينتج عنه رسالة اجتماعية تربوية تؤدي غايتها من أجل الحياة والمجتمع، لابدّ أن تكون بالطبع متشعبة واسعة الأرجاء تدخل في سائر صنوف الحضارة البشرية. لهذا نرى من خلالها فعالية الفن وقوة إيجابيته، ووفرة مردوده وأثره في كل ما ولجه الإنسان وطرق بابه، سواء أكان في الطبع أو الفكر، في العقل أو الخيال، في التفس أو الروح إلخ. قال (أرسطو) قديماً: "وما الفن إلا بعض ملكة إنتاجية يوجهها العقل الحق". قال هيجل حديثاً: "بالفن أحرز الإنسان أوّل انتصار على المادة، قبل أن ينتصر عليها انتصاراً كلياً بالعلم". وأما (هوبسمان) فقد قال: "إذا صح أنّ العلم هو اكتشاف نظام كوني عام، وضروري بوساطة القياس. فما الفن، هذا الإنسان المضاف إلى الطبيعة هذا التسامي بالواقعية اليومية، إلا اقتلاعاً من المادية إلى الخارج..".

فالفن هو بجوهره اكتشاف وجهد وفكر، إلى جانب كونه إبداعاً وخلقاً وخيراً وجمالاً. فهو يجمع بين وحدة الفكر والطبيعة، كما يقول (شبلنج) الألماني؛ وهو يجمع بين وحدة الخيال والعقل. ففيه نتذكر مثلنا ونتصور نماذجنا وانسجامنا، وفيه نكتشف السمو الكامن في أعماق وجودنا، وهو كل الكمالات المشفوعة بها قوانا الروحية والنفسية والجسدية – المادية –. إنّه بمثابة المركز الهندسي لجميع القيم التي يهدف بها الإنسان نحو الخير والجمال والحق.

وبهذا المفهوم المشبع بالسمو والتجريد والعمل والعاطفة يمثل الفن، كما أسلفت، مكانته الاجتماعية في الأُمّة. ويأخذ قسطه الأوفى في رسالة التربية فيها.

فهو أفضل الأدوات التي يتربى (يتعلم) الإنسان بواسطتها كيف يضاف إلى الطبيعة وكيف تصبح هذه الطبيعة امتداداً له، ويقلب جفافها ووحشيتها إلى حضارة ورقة وجمال. ويجعل الحياة، بالتالي فيها، تمور بالتطور والخلق والابتكار. قال غوته: "على الفنان أن يؤسس في الطبيعة ملكوته الخاص به خالقاً منها طبيعة ثانية".

ولا يغرب عن بالنا أنّ السمو الفني ليس عبارة عن لذات وعواطف فحسب. بل أنّه جهد نفسي وفكري وعقلي معاً. قال (تولستوي): "ليس الفن متاعاً، أو لذة، أو ألهية. بل الفن عضو حياتي في الإنسانية ينقل إلى حقل العاطفة إدراكات العقل".

وقال (هربرت ماركيوز)، أيضاً: "حقيقة الفن تقوم على تحرر الحساسية في إعادة توافقها مع العقل".

وأما جوانب التذوّق فيه – في الفن – جوانب العواطف لا تكون كما هي عليه في الطبيعة. بل تكون دوماً مشفوعة بجوانب الجمال ومصعدة بقيمه العالية السامية التي تطرد كل المشاغل النزوية من ساحها. وتعلو على كل الطبائع الحيوانية في الإنسان. فمن نافذة الجمال هذه تمكن الفن أن يصبح أداة تربوية صالحة في المجتمع، مثلاً في معالجة قضايا الكبت، وإظهار كل المشاعر والأحاسيس المطمورة بالقمع والقسر. إظهارها بصورة إنسانية راضية. مسلمة بالقيم النابعة من أغوار النفس الإنسانية وعلى رأسها قيم الحرية. فالفن أكبر وسيلة لتربية الحرية في نفس الفرد والمجتمع معاً. وأكبر عامل لنفي كل مظاهر العبودية والاستلاب في المجتمع. يقول (هربرت ماركيوز) نفسه: "ارتباط الفن بالصورة يعوق نفي العبودية. وحتى يتحقق نفي الاستلاب ينبغي أن يظهر الاستلاب عبر الفن بمظهر الواقع الراهن والتحكم فيه.. فالفن هو حليف الثورة".

وحتى لا يكون الفن قد قاد الإنسان إلى الحرية الفردية، التي ينشدها أعداء المجتمع والحياة. النزاعون إلى التقوقع على الذات والاستغراق في التأمل. المحصور بين عظام الجمجمة وبين أربعة جدران.. البعيد عن أي نبض في الحياة. وعن أيّة معاناة ميدانية في الواقع. لتبقى "الأنا" بنظرهم شامخة في قصرها العاجي الخيالي. كما يقول (كلود برنار) أحد المتطرفين في هذا المذهب: "إنّما الفن أنا".

بل ليكون الفن الحقيقي هو الذي يقود الإنسان ليتعامل مع الحرية، ليس بمفهوم هذه (الأنا) المطلقة، بل بمفهوم (الأنا – النحن). فالفن بطبيعته الأصلية ذو طابع اجتماعي بحت وإن كان من صنع إبداع ذاتي. لأنّّ هذا الإبداع الذاتي يعكس العام من النماذج بشكل فردي محسوس. يعكس كل ما يشعر به الناس. ويحول الخفي المبهم عندهم إلى شعور تام واضح. فالفن إذن ناتج عن انعكاسات الصور الواقعية في الطبيعة والحياة والمجتمع. انعكاساتها في عدسة نفس الفنان الشفافة. هذا الإنسان المكثف لمجتمعه المحشود وعياً لواقعه. المصفى من نقاء المناقب والصفات وخلاصة الوجود. فهو الإنسان الفرد – العام، إذا جاز هذا التعبير. المستشرف لزمنه، القابض على دفة المبادهة في قضايا الحياة بشعور من الحرية المسؤولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر:
وهيب سراي الدين، عن كتاب (في معنى العمل ومقالات أخرى في التربية والفن والمنطق العلمي).

دور الفن والتربية فى التمنية البشرية


إذا أردنا شعبا علينا تعليمة الإحساس وفهم الجمال، وذلك هو دور التربية الفنية، أي تعليم الفنون التشكيلية لبناء الشخصية، ويبدء من الصغر وعلى أكتاف التربية الفنية، وتعتبر تعليم المهارات للحرف اليدوية من أهم الموارد البشرية كالعمود الفقري الذي يقوم عليه ومن أجله سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار الانسان هو صانع التنمية وهدفها.

لقد تنوعت طرق التدريس الحديثة تبعاً لتغير النظرة إلي طبيعة عملية التعليم، فبعد أن كانت تعتمد على الحفظ والتسميع اتسعت لتشمل المستويات الإدراكية المعرفية مما يتطلب إيجابية المتعلم في التعليم بهدف إظهار قدرات الطلبة الكامنة والارتقاء بها، ولم تعد الأساليب التقليدية في التدريس تلائم الحياة المعاصرة، ولذلك ظهرت نظريات تربوية عديدة تساعد على اكتساب العديد من المهارات العقلية والاجتماعية والحركية، وتتمثل مهمة المعلم الحديث وفقاً للطرق الحالية في إتاحة الفرصة للمتعلمين لتحصيل المعرفة بأنفسهم، والمشاركة بفاعلية في كافة أنشطة التعليم، والإقبال على ذلك برغبة ونشاط حتى يعتادوا الاستقلال في الفكر والعمل والاعتماد على الذات.

ولهذا فان المؤشرات المتعلقة بتنمية المهارات الفنية تعتبر مؤشرات واقعية للدلالة على مرحلة النمو في أي مجتمع اكثر من أي مجال آخر، ومن تلك المؤشرات ما يتعلق بالتعليم الفني والمهارى بشكل عام، والتدريب على الحرف اليدوية بشكل خاص كونه المعنى بتزويد العملية الإنتاجية في أي مجتمع بالمهارات والقدرات الإنتاجية المختلفة، خصوصا في ظل ما يشهده العالم من تفجر تقنى في المجلات كافة، وما يترتب في أساليب العمل، وتجعل من عملية التأهل التحدي الأساسي الذى نواجه به الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية كافة، ونمو النواحي الحسية والجمالية والثقافية، وتعديل سلوك الفرد في المجتمع.
  • وإليكم أعزائى هذا المثال:
ما الذي يمكنك أن تفعله ببضعة قصاصات من الورق الملون؟
غالباً لا شيء.. لكن لو أضفت إليها بضع قطرات من الإبداع قد تتحول إلى لوحات فنية مدهشة:


فما تشاهدونه في هذه الصورة هو أحد فنون الرسم الغير تقليدية التي تعرف بفن الرسم بقصاصات الورق الملوّن (Quilling). قد يكون الاسم غير مألوف للكثيرين، لكن المدهش هو أن فن الرسم بقصاصات الورق الملوّن فنٌ قديم يعود لأيام الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر.

يعتمد هذا الفن بصورة رئيسية على قطع قصاصات متساوية من الورق في صورة شرائح طويلة ثم لفّها حول نفسها بأداة خاصة تعرف باسم إبرة لفّ الورق (Needle Quilling Tool)، وتأتي بعدها مهارة الفنّان في توظيف هذه القصاصات الملفوفة لصنع أعمال فنية رائعة، وتثبيت قصاصات الورق بالصمغ. وقد نشأ هذا الفن في الأصل لتزيين أغلفة الكتب والأشياء الدينية في أوروبا أثناء الثورة، ثم تحول في القرن الثامن عشر إلى هواية لسيدات الطبقة الراقية في أوروبا كنشاط يقضين به الوقت دون إرهاق ذهني. لم يتغير فن طيّ الورق الملوّن كثيراً منذ ظهوره، لكنه تحول هذه الأيام لوسيلة دعائية وتسويقية مميزة، فضلاً عن استخدامه لتزيين الهدايا، أو عمل لوحات فنية مبتكرة.







كل الأعمال التي شاهدناها في الأعلى للفنانة (كاثلي) التي جمعت هذه اللوحات في صفحتها على موقع (Deviant Art)، وعلى الرغم من جمال هذه الأعمال وتميزها، إلا أن الفنانة الروسية (يوليا برودسكايا) ذهبت بفن الرسم بقصاصات الورق الملوّن إلى أبعد من ذلك بكثير:

وقد حصلت (برودسكايا) على ماجستير في التواصل باستخدام الجرافيك عام 2006، وبدأت من حينها في ابتكار أعمال فنية أدهشت العالم كهذا البورتريه:


تعمل (برودسكايا) بشكل أساسي في الدعاية والتسويق، وتقوم بعمل لوحات فنية لكثير من الشركات الكبيرة لترويج منتجاتها، وهذه بعض أعمالها التي أكسبتها شهرة عالمية:






ويمكنكم مشاهدة المزيد من خلال موقعها artyulia.com، وهذا الفيديو يوضح لكم مُقدمة عما تحتاجونه لبدء أعمالكم الخاصة:


أجمل ما في الإبداع هو أنه ليس له حدود!

الخميس، 28 نوفمبر 2013

فلسفة فن التصوير الصيني

الفراغ والملاء

(حورية نهر لوه "Luo")، القرن 13، اسرة سونغ ، نسخة من الأصل للفنان جو كيزاهي
(Gu Kaizhi) (تقريبا 345-406)، حبر وألوان على الحرير، 21.7 × 52.8 سم.
متحف القصر في بكين، الصين.

يحتل فن الرسم المكانة الأهم بين جميع الفنون في الصين، ويذهب كثير من المؤرخين إلى أن الصينيين يعدون فن الرسم الفن الحقيقي الوحيد، ونظروا إلى هذا الفن بوصفه من أرفع تمظهرات عبقرية الإنسان المبدعة، وما فن الرسم لديهم الا محصلة لمفهومهم حول الحياة كذلك يعده المؤلف فرانسوا شينغ (موضوعاً صوفياً حقيقياً، والإنسان الصيني مؤمن تماماً بأن فن التصوير هو الذي يظهر سر الكون بامتياز)، ويبدو هذا الفن بالإضافة إلى الشعر تلك القمة الأخرى من قمم الثقافة الصينية من خلال الفضاء الأصلي الذي يجسده، ومن خلال النفحات الحيوية التي يثيرها يبدو أنه لا يزال الاجدر ليس على وصف مشاهد الخلق بل على المشاركة في (أفعال) الخلق نفسها، وعد فن الرسم نفسه ممارسة مقدسة خارج التيار الديني ذي التراث البوذي قبل كل شيء ثمة فلسفة أساسية هي أساس فن التصوير تطرح مفاهيم دقيقة لعلم الكون وللمصير البشري وللعلاقة بين الإنسان والكون، ويمثل الرسم طريقة خاصة للحياة بوصفه تطبيقاً لهذه الفلسفة ليس هذا الفن مجرد اطار للتمثيل، بل هو يهدف إلى خلق مكان وسط تكون الحياة فيه ممكنة ففي الصين الفن وفن الحياة يشكلان كلاً واحداً.‏

(جبال الثلج)، للفنان جوه تشي (Guo Xi)، حبر على ورق، القرن 11، متحف شنغهاي، الصين.
والفنان (جوه تشي) هو رسام المناظر الطبيعية، ويمثل سلالة سونغ الشمالية، والتي تصور
الجبال والأنهار والغابات في فصل الشتاء. وهذه اللوحة يظهر مشهد من واد جبلي عميق
وهادئ المكسوة بالثلوج والعديد من الأشجار القديمة تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة على
المنحدرات متهور. بل هو تحفة من قوه شي باستخدام الحبر الضوء والتكوين الرائعة في
التعبير عن رأيه تصور فني مفتوحة وعالية.

من خلال هذه الرؤية يرى الفكر الجمالي الصيني الجميل متواشجاً دوماً مع الحقيقي لذا من أجل الحكم على قيمة عمل ما تميز التقاليد ثلاث درجات من الجودة، وهي: العمل الذي هو نتاج الموهبة الكاملة والعمل الذي هو نتاج الجوهر الرائع وكدرجة أسمى هناك العمل الذي هو نتاج الروح الإلهية.‏

لأن المثل الأعلى الذي يحرك الفنان الصيني هو أن يحقق الكون الأصغر الحيوي الذي يعمل فيه العالم الأكبر.‏

عرف الفن الصيني تطوراً مستمراً على مدى التاريخ، وعلى الرغم من ارتهان هذا الفن بالأحداث فقد تبع قوانين تغيره الخاصة لم تكن هذه الفترات من التفتت والفوضى، وعلى الرغم من الانحطاطات والتساؤلات التي نجمت عنها أقل ملاءمة للإبداع الفني ثمة تياران نهضا بفن الرسم الصيني، وقد تغذى احدهما من الآخر وهما: التيار الديني الذي وسمه فن التصوير المتأثرة بالتأوية، ثم البوذية، أما التيار الثاني الدنيوي الذي لم يكن أقل روحية من التيار الأول على الرغم من كونه (دنيوياً)، وهذا التيار الأخير هو موضوع دراسة فرانسوا شينغ لكونه ممارسة عملية للفكر الجمالي الصيني.‏

وأنواع الحبر هي ستة أشكال للاحتراف‏، ويمكن التمييز بين هذه الأنواع المختلفة من الحبر (تعد ألواناً مستقلة) وهي الجاف، المخفف، الأبيض، المبلل، المركز، والأسود. وهي تنقسم وفق هذا التعبير الشهير المستوحى من البوذية: (اللون هو الفراغ، الفراغ هو اللون). يدل اللون هنا على التجلي المدغدغ للعالم الظاهراتي، وهذا التجلي معبر عنه بطريقة جيدة بحيث أن الفراغ الذي يحييه يكشف سره غير المكتنه تقنياً يترجم الفراغ بتشكيلة من التدرجات اللونية يقول فرانسوا شينغ: (عندما تعمل القوة الإلهية تبلغ الريشة - الحبر - الفراغ) إذاً هناك ريشة ما وراء الريشة وحبر ما وراء الحبر، ما على المرء إلا أن يتصرف بحسب ايقاع قلبه، وما من شيء يرسمه إلا ويكون رائعاً لأنه من عمل السماء فن الحبر ساحر، وخارق للطبيعة تقريباً)، ويورد لنا قاعدة جميلة تحكم فن الحبر: (من أجل الحصول على أثر رائع يجب اللعب بالحبر بحيث إنه في المكان الذي تقف فيه الريشة يولد شيء آخر).‏

لفائف جدارية بريشة ما لين (Ma Lin)، حبر وألوان على الحرير،
110.3 × 226.6 سم، 1246، متحف القصر في بكين، الصين.

الصينيون مولعون بعبارات من عيار (الإنسان المتفوق)، (الإنسان النبيل) لأن داخل الإنسان يتحول إلى تعابير الإنسان نفسها وكأن الصينيين يقسمون البشر إلى جبال وبحار؛ البعض منا (جبل) والبعض الآخر (بحر)، ويورد لنا فرانسوا شينغ اعترافات فنية لرسام صيني:‏
" اضحك لك والريشة (معراة) في يدي فجأة أبدأ الرقص وأنا أطلق صرخات غريبة وعندما تسمع السماء هذه الصرخات تنفتح شاسعة وفي كبد القبة السماوية يتلألأ القمر براقاً بعيداً وصغيراً، أنا أتكلم بيدي، وأنت تصغي بعينيك وهذا غير متاح للرعاع بأن يعرفوه. عندما كنت ارسم هذه اللوحة أصبحت كنهر ربيعي كلما رسمتها، ازهار النهر تفتحت انسجاما مع يدي وكانت مياه النهر تتماوج مع إيقاع كياني في الجناح الأعلى المشرف على النهر كانت اللوحة بيدي، وأنا أصرخ باسم (تزو - مي)، وعند سماع صرخاتي الممتزجة بضحكاتي اجتمعت الأمواج والغيوم فجأة ".‏
عموماً في الفن الصيني الإنسان هو المقصود في النهاية، الإنسان يبحث عن وحدته عبر ممارسة فن التصوير، وفي الوقت نفسه يهتم بالواقع لإن الإنسان لا يستطيع أن يكتمل إلا بإكمال فضائل السماء والأرض التي وهبت له.‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر:
كتاب ممتع قدمه فرانسوا شينغ الأستاذ في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية. وهو مؤلف كتب هامة حول الفن والشعر في الصين منها (الكتابة الشعرية الصينية 1977)، و(النفحة - الروح عام 1989).‏ والكتاب صادر حديثاً عن وزارة ثقافة دمشق‏، سلسلة أفاق ثقافية‏.

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

التجريب


الفكر التجريبي في الفن


أحد أعمال الفنان علاء الحوت، تصوير مجسم، آتيلية القاهرة 2008م.

تعتمد فروع العلوم على التجريب لكون ممارسات تجريبية، وكذلك الفنون التشكيلية التي تخضع لمنطلقات التجريب وهذا لان الفنون تتأثر بالعصر الحديث وعلوم المعرفة فيه، ويحاول الفنان أن يقدم كل ما هو جديد متمشيا مع روح العصر، فنرى دخول الكمبيوتر والليزر في ممارسة الأعمال الفنية وايضا وجود خامات وبدائل تشكيليه لم تكن من ذي قبل.

تفصيلية من أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان.

ويؤكد "جون ديوي" على أن التجريب من السمات الجوهرية للفنان وبدون هذه السمات يصبح الفنان مجرد أكاديمي، وإذا كان الفنان ملزما بأن يكون مجربا فذلك لآن عليه أن يعبر عن خبره ذات طابع فردي عميق. كما أن منطلق التجريب يعد معادلا سيكولوجيا للعمليات الدينامية التي تنتج عنها تنظيم المثيرات الإدراكية في الأنظمة الحيوية، وهذا في مجمله يعني استراتيجيه حديثه للصياغة التشكيلية في العمل الفني "شكل – ومضمون"، وتطلق على تلك العملية بالموازاة بين الحيز الداخلي للشكل وبين المكان الحيوي. بمعنى انه كلما كان النظام المكاني في الحيز الفني يقتفي أثر القوانين الإيقاعية والوظيفية الظاهرة لها دلالتها التعبيرية أدى ذلك على دخول الأجزاء المتعددة بما فيها الخامات المتنوعة في مسار دينامي بشكل يجعلها واضحة، ثم تخف حدة التوتر في الحيز فينصرف المدرك إلى إعطاء قيمة أو دلاله معينه لذلك الحيز تؤكد وحدته.

من أعمال الفنان علاء الحوت، تصوير مجسم، آتيلية القاهرة 2008م

والتجريب هو أحد أساليب الأداء الفني، ونشاط إبداعي قد يكون في مجموعة التخطيطات التي سبق إنجاز العمل الفني بحثاً عن جوانب تشكيلية مختلفة أو إبداعية جديدة، وقد يكون في إظهار الرؤى الجمالية المختلفة للموضوع، مما يهيئ العقل والحس للممارسة التشكيلية بحثا عن حلول متعددة ومختلفة، إما في إطار خبرة الفنان الحاضرة، وإما نتيجة لمرور الفنان بخبرات فنية سابقة، فيقدم حلولاً جديدة بتصميمات مستحدثة (1).

أحد أعمال الفنان وائل درويش، مراكب الشمس تستعد للرحيل،
وسائط متعددة مخلوطة على الخشب وألوان أكريلك ، 765x197x5 سم، 2012

 تفصيلية من العمل السابق

تفصيلية من العمل السابق

 تفصيلية من العمل السابق

إن التجريب في الفنون التشكيلية يتيح مجالاً واسعاً واتجاهات متشعبة أمام الفنان، في تعامله مع عناصر التشكيل وأسس البناء الفني، لتحقيق الغرض أو المضمون الرمزي للعمل، وتتحقق الأساليب والاتجاهات الفنية من خلال التجريب في المحاولات المتعاقبة التي يسلكها المصمم بحثاً عن توافقات وتبادلات تشكيلية تحقق له القناعة بتكامل العمل الذي أنتجه (2).

أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان، من مجموعة (البحر، بعنوان طلسم)،
خامات مختلفة، والوان أكريلك على الخشب، 25 × 42 سم، 2001م.

وفي مجال التجريب بالخامات غالباً ما تكون للفنان أفضليات خاصة للخامات التي يستخدمها في التعبير، وهو حين يحدد الخامات يحدد أيضاً التقنية المناسبة لإخضاعها للتعبير (3). فمرحلة التعامل الأول للفنان مع الخامة هي مرحلة اكتشاف لإمكانيتها التعبيرية والتركيبية عن طريق نُظِّم التشكيل المختلفة، وقدرة الفنان على التعامل معها.

تفصيلية من أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان، عمل مركب في الفراغ،
من معرض (طوالع الرجال والنساء) بقاعة الاليانس فرانسيس، بورسعيد، 2001م.

كما أن التجريب - كأحد متغيرات فن التصوير - يختلف في أسلوب وتناول وترتيب وصياغة عناصر العمل الفني. ويتضح ذلك في سعي الفنان للحصول على حلول جديدة مبتكرة للوصول إلى أهدافه - كأن يبدأ بالطبيعة وينتهي بالتصميم - وقد استطاع الفنان موندريان "Mondrian" خلال رؤيته الفنية أن يقدم حلولاً تشكيلية للمسطحات والخطوط، وأوضاعاً مختلفة للشكل والفراغ مستخدما التجريب والتحليل الرياضي في ذلك. ويعني هذا أن التجربة في هذه الحالة تخضع لعمليات فكرية متداخلة، تسمح بالحذف والإضافة، وقد تكون غير محددة الخطوات، أو تسمح بتقديم خطوة على أخرى، وعنها تنشأ العلاقات التشكيلية الجديدة (4).

بييت موندريان، التركيب الثاني في الأحمر والأزرق والأصفر، 1930م.

هذا إلى جانب أن التغير في طريقة تناول الشكل تتطلب فكراً جديداً ومستوىً غير مألوف في الرؤية، والتي تسفر عن هيئة الشكل، وبهذا يكون العمل الفني باستخدام التجريب في الخامات نشاطاً ابتكارياً يحدد هيئة العناصر، تلك الهيئة ليست قاصرة فقط على الهيئة الخارجية، ولكن في العلاقات البنائية والوظيفية للعناصر التي تحول نظاماً معيناً إلى وحدة متكاملة (5)، وهو هدف العمل الفني.

أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان، من مجموعة (طوالع الرجال والنساء)،
خامات مختلفة، والوان أكريلك على خشب، 20 × 24 سم، 2001م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصادر:
1- هدى أحمد زكي السيد: "المفهوم التجريبي في التصوير الحديث وما يتضمنه من أساليب ابتكارية وتربوية"، رسالة دكتوراه، كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، 1979، ص27.
2- أحمد حافظ رشداه، فتح الباب عبد الحليم: "التصميم في الفن التشكيلي"، القاهرة، 1970، ص30.
3- محمد اسحق قطب: "المفهوم الجمالي لتناول الخامة في النحت الحديث وأثره على القيم التشكيلية والتعبيرية في أعمال طلاب كلية التربية الفنية"، رسالة دكتوراه، كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، 1994، ص13.
4- هدى أحمد زكي السيد: مرجع سابق، ص19.
5- مصطفى الرزاز: "أسس التصميم بين البنائي والإدراكي"، مجلة دراسات وبحوث، جامعة حلوان، كلية التربية الفنية، 1984، ص48.

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

لوحات الحبر الصينية

لوحات الحبر الصينية التقليدية (Chinese Ink Paintings) ليست شيئاً جديداً لمن يألفون الثقافة الصينية، ومن ذلك لوحة الحبر المعروفة باسم (الحصان الراكض) لأستاذ الحبر (شو بي هونغ).

لوحة الحصان الراكض للفنان شو بي يونج.

فالرسم التقليدي بالحبر يستند إلى أعمدة ثقافية قديمة مثل الشعر وفن الخط والختم، ويكون عادة وصفياً. على العكس من هذا، الرسم بالحبر المعاصر (الحديث) المتأثر أكثر بالفن الغربي الحديث، فيبدوا مشابهاً للوحات التأثيرية مثل أعمال دي كونينج (رسام أمريكي هولندي 1904-1997) وأعمال جاكسون بولوك (رسام أمريكي، وهو الشخصية الرائدة لحركة التجريدية اللونية 1912- 1956). وتكون اللوحات عادة أبيض وأسود وغير وصفية.

من لوحات الحبر الصينية للفنان وانغ شي مين (القرن 17)،
بعنوان "الجليد يعلو أكثر الأنهار والجبال"، من القرن 8. بعد فترة وانغ وي.

لوحة "العلماء في منزل صيفي"، جزء تفصيلي لفائف المخطوطات تعود إلى القرن 14.
وهى لرسام مجهول ونسبت مؤخرا للفنان رن رنفا (Ren Renfa ) (1255-1327).

ولوحة الحبر، كمصطلح فني، تجمع العديد من الأشكال، ومنها الرسم الوطني (قوه هوا)، رسم المثقفين، الحبر المجرد، لوحات الحبر للمثقفين الجدد، الحبر التجريبي والحبر الحديث والتصوري. وكل نمط منها يعبر عن الفن الذي يُمارس منذ ألف عام، والذي أثار جدالات ضارية حول قضايا اجتماعية/ ثقافية مثل الأصالة، النزعة الوطنية الشرقية والغربية، والاستعمار، ... الخ.


في بدايات القرن العشرين انتقد مثقفون تقدميون، مثل كانج يو وي (أحد مشاهير الإصلاحيين الصينيين، عمل على استقدام النظام الغربي الحديث إلى الصين)، لوحات رسم الحبر للمثقفين، على أنها راكدة وفاسدة وغير علمية وليس بها شيء له علاقة بالواقع، ودعا هؤلاء إلى ثورة فنية استنادا إلى الفن الواقعي الغربي. وقد عملت أجهزة الدعاية الشيوعية خلال فترة الثورة على الترويج بقوة لرسم الحبر بالأسلوب الواقعي. وخلال السنوات العشر الأولى بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية تم تبني الرسم بالحبر كأداة لإبراز الرؤية الجديدة للصين الاشتراكية. وقد اُعتبرت لوحات المثقفين التقليدية "قمامة إقطاعية".

وبعد فترة طويلة نسبيا من دمج أسلوب الحبر مع المنهج الواقعي الغربي، بات الرسم الوطني الجديد (شين قوه هوا) الأكثر حيوية خلال ثمانينات القرن الماضي، والفن الأكثر أهمية على الساحة الفنية الرسمية. ونتيجة لعلاقته المتوارثة مع الحركة السياسية الاشتراكية أصبح (شين قوه هوا) تدريجياً شكلاً فنياً دعائياً رسمياً حاداً. ومع تدفق الأفكار الفنية الغربية إلى الصين في الثمانينات، تمرد الفنانون الشبان على قوه هوا الراكد الرسمي ومالوا إلى لغة الفن التعبيري والتصوري الغربي، مما قوض التلاعب السياسي بلوحات الحبر (قوه هوا)، في مسعى للتوصل إلى حل للجمع بين أسلوب الفن التقليدي مع الفن الغربي الحديث. وهذه التجربة تُسمى بأعمال الحبر والماء الحديثة (شيان داي شوي مو)، وقد انخرط العديد من ممارسيها في الموجة الجديدة في منتصف الثمانينات.



من لوحات الحبر الصينية القديمة بعنوان ( النسر يهبط ناحية الشجرة) رسم ( شو بي هونغ ) 19-10.

في عام 1985 ، وتأسيسا على رؤيته للوضع المتخلف لقوه هوا، نشر (لي شياو شان)، وهو فنان شاب، كان آنذاك طالبا بمعهد (نانجينغ) للفنون، نشر مقالة شائكة بمجلة الفن المتجدد، معلنا أن قوه هوا (الرسم الوطني) في الطريق إلى الزوال. فاللغة الحادة التي استخدمها (لي) أفرزت جدلاً واسعاً ومتواصلاً حول مصير قوه هوا. وقد أجبر هذا الجدل بعض الفنانين على مراجعة رؤاهم للفن وعلاقته بالتقاليد والواقع وتأثير الغرب.

من لوحات الحبر اليابانية للفنان شوكي سانشو (Shūkei-sansui) ،
بعنوان منظر طبيعى فى الخريف، سوشو تويو (Sesshū Tōyō) ، (1420-1506).

في بواكير التسعينات، ومسايرة للفن الصيني الجديد الممثل رئيسيا في البوب السياسي والواقعية الساخرة التي اكتسبت شهرة واسعة خارج الصين، روجت المؤسسة الرسمية في الداخل لرسم الحبر الوطني. وفي منتصف الثمانينات ساد ما سُمي "رسم المثقفين الجديد" الذي يجمع الأسلوب التقليدي والمشاعر الخاصة، والذي رؤي على أنه طبعة جديدة من تقاليد مجيدة، في مسعى لإعاقة تدفق الفن الغربي الحديث إلى عالم الفن الصيني.

وفي أواخر التسعينات، ومع تخفف السيطرة الأيدلوجية قليلاً، وتنامي المشاعر الوطنية كانت لوحات الرسم بالحبر الحديثة موجودة بشكل دائم في الأماكن الفنية الرسمية. وشجعت السلطات المعارض المشتركة والمناقشات العلمية حول رسم الحبر التجريبي. فجذور رسم الحبر الثقافية الواضحة المباشرة ومسعاه لتطوير لغة جديدة تناسب الوضع الحالي للإصلاح في الصين، ولكن المثير للسخرية، أن أجهزة الإعلام اعتبرت أن ممارسة رسم الحبر التقليدي رمزاً للفساد البيروقراطي.


إنه لمن الصعب أن نجد في عالم الفن الصيني المعاصر مُناظراً تاريخياً وجغرافياً للمغزى المعقد لرسم الحبر. وتعتبر المؤسسة الفنية القديمة (قوه هوا) أداة ممكنة للحفاظ على نقاء ثقافتها مثلما يحافظ البعض على أوبرا بكين على أنها (الأوبرا الوطنية) لتعظيم تراثها التقليدي.

بعض العلماء يودون أن يروا رسم الحبر التجريبي وسيطاً محتملاً يشمل التقاليد الصينية وتشكيلة منفتحة، مما قد يتواصل مع مجتمع الفن العالمي وكذلك البحث عن هوية في الفن الصيني المعاصر. إن الفنانين يودون أن يستعيروا من أو يرجعوا إلى لوحات الحبر لتشكيل تصورهم وأدائهم، مثل لوحة فصل اللغة الإنجليزية الجديد لـ (شو بينغ)، وأداء الكتابة في الموقع لـ (قو ون دا) في بينالي (كوانغجون).

ورسم الحبر، بالنسبة لكثيرين، جزء لا يتجزأ من إطار الثقافة التقليدية، التي تمنح الفنان فضاء هائلاً للاستكشاف. ويعتقد ممارسو رسم الحبر التجريبي في بر الصين الرئيسي أنه مع تطور الاقتصاد الصيني والوعي الثقافي؛ فإن الأشكال الفنية التي تميل إلى التقليدية، مثل رسم الحبر سوف يتم تجديدها، غير أن دعاوى سلبية ومتشككة تظهر من حين لآخر تزعم أن معضلة رسم الحبر أن طبيعته المرنة لا تستطيع أن تعكس المشاعر المعاصرة، وأنه عادة يميل إلى الأفكار الميتافيزيقية، أكثر من تطوير وسيلة فعالة، وطريقة سرد جديدة تربط ممارسة رسم الحبر بالحياة المعاصرة.

لوحة من أعمال المصور (دون هونغ) باستخدام تقنية التصوير القديمة،
حيث المناظر الخلابة، مع وفرة من العناصر التي لها صدى فى اللوحات الصينية التقليدية.

والواقع أن الوضع المتأخر لرسم الحبر أكثر خطورة مما يتوقع أي فرد، وبخاصة عندما يتحدث المدافعون عنه عن مستقبل الرسم بمغزى ثقافي مثقل.

وبرغم كل شيء يظل رسم الحبر أكثر الأشكال الفنية ممارسة في الصين، يمارسه ملايين من الفنانين المتخصصين والهواة. ولكن رسم الحبر التجريبي يمثل جزءاً هامشياً من هذا المجتمع الفني. ويزعم العديد من الفنانين والنقاد أن رسم الحبر التجريبي سيلعب درواً حيوياً في عملية تأسيس هوية ثقافية جديدة. فالفنانون الجادون يعتبرون أن الاستكشاف المتواصل للعلاقة بين الوسيط القديم وعالم معاصر تسوده العولمة يجب أن يكون أحد شروط أي فن جديد.


يمكن تصنيف ممارسة رسم الحبر التجريبي إلى أربعة أقسام؛ رسم الحبر المجرد، فن الخط الحديث، رسم الحبر الحضري، والحبر كوسيط توضيح وفعل.

أما ممارسو رسم الحبر التجريدي عادة ينقون لغة الحبر، ويتجاهلون وظيفته الوصفية، بالإشارة إلى اللغة التعبيرية المجردة. وممارسو فن الخط الحديث هم الخطاطون الراغبون في تطوير شكل جديد من الرؤية معتمداً على تدريباتهم التقليدية على فن الخط. أعمالهم أكثر شبها برسم الحبر المجرد، مع بعض الومضات من فن الخط مثل مقاطع الكتابة الواضحة، وليس النصوص المقروءة المعتمدة على فن الخط.


صورتين توضحان الكتابة الصينية، من مدونة ( بلال عبد الهادي ).

يطور رسم الحبر الحضري بعض النقاد والفنانين ذوي النظر البعيد الذين ينتجون لوحات الحبر الحضرية، وهم غالباً من كليات الفنون، ويمتلكون قدرة قوية على الرسم. وقد طور هؤلاء لغة حبر شخصية من خلال مشاعرهم الحقيقية إلى العالم المادي والطبيعة الروحية في البيئة الحضرية المتغيرة. الفعل والتوضيح ذو العلاقة برسم الحبر. هذه الأعمال تظهر عادة في المعارض الفنية الشاملة المعاصرة التي تكون كبيرة، ويعتقد مسئولو المعارض أنها جزء لا يتجزأ من عالم الفن المعاصر.

وفى هذا الصدد نجد أن رسوم الحبر الصينية تُعد دخلاً اقتصادياً قومياً للصين؛ فعلى سبيل المثال أدرجت فى هذا الوقت المعاصر لوحة مرسومة بالحبر الصيني بعنوان "تشنغ يويه (الشهر الأول حسب التقويم القمري الصيني)" في الدفعة الأولى للمنتجات الثقافية المشهورة التي أعلنتها مقاطعة (خنان) مؤخراً، حيث حددت حكومة مقاطعة (خنان) أن تكون نسخها المصورة هداياها للأجانب، وقد هزت اللوحة أوساط الرسم بمقاطعة (خنان) لأن بها 17 ألف شخص.

لوحة رسم بها 17 ألف شخص للفنان ( وانغ تشيون).

وقال رسامها (وانغ تشيون) إن هذه اللوحة الضخمة لرسم الخطوط الرفيعة طولها 4,25 متراً، و ارتفاعها 83,0 متراً، بها أكثر من 17 ألف شخص يتميز كل منهم عن الآخر في الزي وتعبير الوجه، وموضوعها حول مهرجان سوق بمحافظة (جيونشيان) في مقاطعة (خنان) في ثمانينات القرن الماضي. وقد كان هذا المهرجان يعتبر أحد أكبر مهرجانات السوق بالصين منذ زمن قديم، به رواسب عميقة لاقتصاد السوق والثقافة التقليدية، بالإضافة إلى أنه أحد أماكن الآثار القديمة في خنان، فتكثر فيه آثار قديمة ومناظر طبيعية وثقافية، فأصبح بذلك خلفية ممتازة تجمع التاريخ والثقافة والآثار والمناظر الطبيعة للرسم.

لوحة السيد (وانغ تشي) الذي بلغ عمره 72 سنة، والذي انتخب نائبا لرئيس الرابطة الصينية للفنانين الرسامين.


(الفراشي/ الفرش) المستخدمة بالرسم.

لوحة بالأحبار الملونة للفنان تشانغ دا تشيان (Zhang Daqian)،
بعنوان "حديقة الثماني فضائل على طراز (Pomo) البومو " ، (1968م).

لوحة بالاحبار الملونة ، بعنوان أشباح من أشجار الصنوبر ،
للفنان (Wu Guanzhong) واو جانزونج. 1991م.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:
المعلومات الواردة في هذه التدوينة أخذت من عدة مواقع متفرقة من على الانترنت وبتصرف من المدون.

مصادر أخرى:


الاستلهام من الأشكال المركبة في المنمنمات الإسلامية - (2)

عنوان العمل: حلم الصعود. مساحة العمل: 30 × 30 سم. الخامات والوسائط المستخدمة: ألوان مائية وجواش وأقلام باستيل على ورق. عام الإنتاج: 2008م. ا...