لوحات الحبر الصينية التقليدية (Chinese Ink Paintings) ليست شيئاً جديداً لمن يألفون الثقافة الصينية، ومن ذلك لوحة الحبر المعروفة باسم (الحصان الراكض) لأستاذ الحبر (شو بي هونغ).
لوحة الحصان الراكض للفنان شو بي يونج.
فالرسم التقليدي بالحبر يستند إلى أعمدة ثقافية قديمة مثل الشعر وفن الخط والختم، ويكون عادة وصفياً. على العكس من هذا، الرسم بالحبر المعاصر (الحديث) المتأثر أكثر بالفن الغربي الحديث، فيبدوا مشابهاً للوحات التأثيرية مثل أعمال دي كونينج (رسام أمريكي هولندي 1904-1997) وأعمال جاكسون بولوك (رسام أمريكي، وهو الشخصية الرائدة لحركة التجريدية اللونية 1912- 1956). وتكون اللوحات عادة أبيض وأسود وغير وصفية.
من لوحات الحبر الصينية للفنان وانغ شي مين (القرن 17)،
بعنوان "الجليد يعلو أكثر الأنهار والجبال"، من القرن 8. بعد فترة وانغ وي.
لوحة "العلماء في منزل صيفي"، جزء تفصيلي لفائف المخطوطات تعود إلى القرن 14.
وهى لرسام مجهول ونسبت مؤخرا للفنان رن رنفا (Ren Renfa ) (1255-1327).
ولوحة الحبر، كمصطلح فني، تجمع العديد من الأشكال، ومنها الرسم الوطني (قوه هوا)، رسم المثقفين، الحبر المجرد، لوحات الحبر للمثقفين الجدد، الحبر التجريبي والحبر الحديث والتصوري. وكل نمط منها يعبر عن الفن الذي يُمارس منذ ألف عام، والذي أثار جدالات ضارية حول قضايا اجتماعية/ ثقافية مثل الأصالة، النزعة الوطنية الشرقية والغربية، والاستعمار، ... الخ.
في بدايات القرن العشرين انتقد مثقفون تقدميون، مثل كانج يو وي (أحد مشاهير الإصلاحيين الصينيين، عمل على استقدام النظام الغربي الحديث إلى الصين)، لوحات رسم الحبر للمثقفين، على أنها راكدة وفاسدة وغير علمية وليس بها شيء له علاقة بالواقع، ودعا هؤلاء إلى ثورة فنية استنادا إلى الفن الواقعي الغربي. وقد عملت أجهزة الدعاية الشيوعية خلال فترة الثورة على الترويج بقوة لرسم الحبر بالأسلوب الواقعي. وخلال السنوات العشر الأولى بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية تم تبني الرسم بالحبر كأداة لإبراز الرؤية الجديدة للصين الاشتراكية. وقد اُعتبرت لوحات المثقفين التقليدية "قمامة إقطاعية".
وبعد فترة طويلة نسبيا من دمج أسلوب الحبر مع المنهج الواقعي الغربي، بات الرسم الوطني الجديد (شين قوه هوا) الأكثر حيوية خلال ثمانينات القرن الماضي، والفن الأكثر أهمية على الساحة الفنية الرسمية. ونتيجة لعلاقته المتوارثة مع الحركة السياسية الاشتراكية أصبح (شين قوه هوا) تدريجياً شكلاً فنياً دعائياً رسمياً حاداً. ومع تدفق الأفكار الفنية الغربية إلى الصين في الثمانينات، تمرد الفنانون الشبان على قوه هوا الراكد الرسمي ومالوا إلى لغة الفن التعبيري والتصوري الغربي، مما قوض التلاعب السياسي بلوحات الحبر (قوه هوا)، في مسعى للتوصل إلى حل للجمع بين أسلوب الفن التقليدي مع الفن الغربي الحديث. وهذه التجربة تُسمى بأعمال الحبر والماء الحديثة (شيان داي شوي مو)، وقد انخرط العديد من ممارسيها في الموجة الجديدة في منتصف الثمانينات.
من لوحات الحبر الصينية القديمة بعنوان ( النسر يهبط ناحية الشجرة) رسم ( شو بي هونغ ) 19-10.
في عام 1985 ، وتأسيسا على رؤيته للوضع المتخلف لقوه هوا، نشر (لي شياو شان)، وهو فنان شاب، كان آنذاك طالبا بمعهد (نانجينغ) للفنون، نشر مقالة شائكة بمجلة الفن المتجدد، معلنا أن قوه هوا (الرسم الوطني) في الطريق إلى الزوال. فاللغة الحادة التي استخدمها (لي) أفرزت جدلاً واسعاً ومتواصلاً حول مصير قوه هوا. وقد أجبر هذا الجدل بعض الفنانين على مراجعة رؤاهم للفن وعلاقته بالتقاليد والواقع وتأثير الغرب.
من لوحات الحبر اليابانية للفنان شوكي سانشو (Shūkei-sansui) ،
بعنوان منظر طبيعى فى الخريف، سوشو تويو (Sesshū Tōyō) ، (1420-1506).
في بواكير التسعينات، ومسايرة للفن الصيني الجديد الممثل رئيسيا في البوب السياسي والواقعية الساخرة التي اكتسبت شهرة واسعة خارج الصين، روجت المؤسسة الرسمية في الداخل لرسم الحبر الوطني. وفي منتصف الثمانينات ساد ما سُمي "رسم المثقفين الجديد" الذي يجمع الأسلوب التقليدي والمشاعر الخاصة، والذي رؤي على أنه طبعة جديدة من تقاليد مجيدة، في مسعى لإعاقة تدفق الفن الغربي الحديث إلى عالم الفن الصيني.
وفي أواخر التسعينات، ومع تخفف السيطرة الأيدلوجية قليلاً، وتنامي المشاعر الوطنية كانت لوحات الرسم بالحبر الحديثة موجودة بشكل دائم في الأماكن الفنية الرسمية. وشجعت السلطات المعارض المشتركة والمناقشات العلمية حول رسم الحبر التجريبي. فجذور رسم الحبر الثقافية الواضحة المباشرة ومسعاه لتطوير لغة جديدة تناسب الوضع الحالي للإصلاح في الصين، ولكن المثير للسخرية، أن أجهزة الإعلام اعتبرت أن ممارسة رسم الحبر التقليدي رمزاً للفساد البيروقراطي.
إنه لمن الصعب أن نجد في عالم الفن الصيني المعاصر مُناظراً تاريخياً وجغرافياً للمغزى المعقد لرسم الحبر. وتعتبر المؤسسة الفنية القديمة (قوه هوا) أداة ممكنة للحفاظ على نقاء ثقافتها مثلما يحافظ البعض على أوبرا بكين على أنها (الأوبرا الوطنية) لتعظيم تراثها التقليدي.
بعض العلماء يودون أن يروا رسم الحبر التجريبي وسيطاً محتملاً يشمل التقاليد الصينية وتشكيلة منفتحة، مما قد يتواصل مع مجتمع الفن العالمي وكذلك البحث عن هوية في الفن الصيني المعاصر. إن الفنانين يودون أن يستعيروا من أو يرجعوا إلى لوحات الحبر لتشكيل تصورهم وأدائهم، مثل لوحة فصل اللغة الإنجليزية الجديد لـ (شو بينغ)، وأداء الكتابة في الموقع لـ (قو ون دا) في بينالي (كوانغجون).
ورسم الحبر، بالنسبة لكثيرين، جزء لا يتجزأ من إطار الثقافة التقليدية، التي تمنح الفنان فضاء هائلاً للاستكشاف. ويعتقد ممارسو رسم الحبر التجريبي في بر الصين الرئيسي أنه مع تطور الاقتصاد الصيني والوعي الثقافي؛ فإن الأشكال الفنية التي تميل إلى التقليدية، مثل رسم الحبر سوف يتم تجديدها، غير أن دعاوى سلبية ومتشككة تظهر من حين لآخر تزعم أن معضلة رسم الحبر أن طبيعته المرنة لا تستطيع أن تعكس المشاعر المعاصرة، وأنه عادة يميل إلى الأفكار الميتافيزيقية، أكثر من تطوير وسيلة فعالة، وطريقة سرد جديدة تربط ممارسة رسم الحبر بالحياة المعاصرة.
لوحة من أعمال المصور (دون هونغ) باستخدام تقنية التصوير القديمة،
حيث المناظر الخلابة، مع وفرة من العناصر التي لها صدى فى اللوحات الصينية التقليدية.
والواقع أن الوضع المتأخر لرسم الحبر أكثر خطورة مما يتوقع أي فرد، وبخاصة عندما يتحدث المدافعون عنه عن مستقبل الرسم بمغزى ثقافي مثقل.
وبرغم كل شيء يظل رسم الحبر أكثر الأشكال الفنية ممارسة في الصين، يمارسه ملايين من الفنانين المتخصصين والهواة. ولكن رسم الحبر التجريبي يمثل جزءاً هامشياً من هذا المجتمع الفني. ويزعم العديد من الفنانين والنقاد أن رسم الحبر التجريبي سيلعب درواً حيوياً في عملية تأسيس هوية ثقافية جديدة. فالفنانون الجادون يعتبرون أن الاستكشاف المتواصل للعلاقة بين الوسيط القديم وعالم معاصر تسوده العولمة يجب أن يكون أحد شروط أي فن جديد.
يمكن تصنيف ممارسة رسم الحبر التجريبي إلى أربعة أقسام؛ رسم الحبر المجرد، فن الخط الحديث، رسم الحبر الحضري، والحبر كوسيط توضيح وفعل.
أما ممارسو رسم الحبر التجريدي عادة ينقون لغة الحبر، ويتجاهلون وظيفته الوصفية، بالإشارة إلى اللغة التعبيرية المجردة. وممارسو فن الخط الحديث هم الخطاطون الراغبون في تطوير شكل جديد من الرؤية معتمداً على تدريباتهم التقليدية على فن الخط. أعمالهم أكثر شبها برسم الحبر المجرد، مع بعض الومضات من فن الخط مثل مقاطع الكتابة الواضحة، وليس النصوص المقروءة المعتمدة على فن الخط.
صورتين توضحان الكتابة الصينية، من مدونة ( بلال عبد الهادي ).
يطور رسم الحبر الحضري بعض النقاد والفنانين ذوي النظر البعيد الذين ينتجون لوحات الحبر الحضرية، وهم غالباً من كليات الفنون، ويمتلكون قدرة قوية على الرسم. وقد طور هؤلاء لغة حبر شخصية من خلال مشاعرهم الحقيقية إلى العالم المادي والطبيعة الروحية في البيئة الحضرية المتغيرة. الفعل والتوضيح ذو العلاقة برسم الحبر. هذه الأعمال تظهر عادة في المعارض الفنية الشاملة المعاصرة التي تكون كبيرة، ويعتقد مسئولو المعارض أنها جزء لا يتجزأ من عالم الفن المعاصر.
وفى هذا الصدد نجد أن رسوم الحبر الصينية تُعد دخلاً اقتصادياً قومياً للصين؛ فعلى سبيل المثال أدرجت فى هذا الوقت المعاصر لوحة مرسومة بالحبر الصيني بعنوان "تشنغ يويه (الشهر الأول حسب التقويم القمري الصيني)" في الدفعة الأولى للمنتجات الثقافية المشهورة التي أعلنتها مقاطعة (خنان) مؤخراً، حيث حددت حكومة مقاطعة (خنان) أن تكون نسخها المصورة هداياها للأجانب، وقد هزت اللوحة أوساط الرسم بمقاطعة (خنان) لأن بها 17 ألف شخص.
لوحة رسم بها 17 ألف شخص للفنان ( وانغ تشيون).
وقال رسامها (وانغ تشيون) إن هذه اللوحة الضخمة لرسم الخطوط الرفيعة طولها 4,25 متراً، و ارتفاعها 83,0 متراً، بها أكثر من 17 ألف شخص يتميز كل منهم عن الآخر في الزي وتعبير الوجه، وموضوعها حول مهرجان سوق بمحافظة (جيونشيان) في مقاطعة (خنان) في ثمانينات القرن الماضي. وقد كان هذا المهرجان يعتبر أحد أكبر مهرجانات السوق بالصين منذ زمن قديم، به رواسب عميقة لاقتصاد السوق والثقافة التقليدية، بالإضافة إلى أنه أحد أماكن الآثار القديمة في خنان، فتكثر فيه آثار قديمة ومناظر طبيعية وثقافية، فأصبح بذلك خلفية ممتازة تجمع التاريخ والثقافة والآثار والمناظر الطبيعة للرسم.
لوحة السيد (وانغ تشي) الذي بلغ عمره 72 سنة، والذي انتخب نائبا لرئيس الرابطة الصينية للفنانين الرسامين.
(الفراشي/ الفرش) المستخدمة بالرسم.
لوحة بالأحبار الملونة للفنان تشانغ دا تشيان (Zhang Daqian)،
بعنوان "حديقة الثماني فضائل على طراز (Pomo) البومو " ، (1968م).
لوحة بالاحبار الملونة ، بعنوان أشباح من أشجار الصنوبر ،
للفنان (Wu Guanzhong) واو جانزونج. 1991م.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
المعلومات الواردة في هذه التدوينة أخذت من عدة مواقع متفرقة من على الانترنت وبتصرف من المدون.
مصادر أخرى: