الأحد، 1 ديسمبر 2013

نهوض المجتمع فنياً وأدبياً



هناك قواسم مشتركة في مكوّنات المجتمع.. وهي قواسم تنعكس في اتصال وتواصل الناس ثقافياً في الحياة... وكل مكوّن ثقافي يتأثر ويؤثر في الآخر أكان سلباً أو إيجاباً.. فالسلبي يؤثر بوقع أشد نزولاً وصعوداً من القمة حتى سفح المجتمع.. خلاف وقع الإيجابي الذي هباب أن يُلمس أو يسمع دبيبه!!

والثقافة تطواف مؤثر لجميع مكوّنات الحياة.. ليس على صعيد الداخل وإنما على صعيد الخارج أيضاً.. وتلعب الثقافة دوراً خطيراً في التأثير في مكوّنات المجتمع وتنميط توجهاته التنويرية والأخذ به إلى توهج الحياة الإنسانية..

ويندرج الأدب بالتحديد في خطورة هذا الدور في تعريف وتقريب القواسم المشتركة في المجتمع وتسليط الأضواء عليها واستجلاء قيمها الجمالية.. صحيح أنّ القيم الجمالية تختلف وتتباين من عصر إلى عصر.. ومن مكوّن اجتماعي إلى آخر... إلا أن دور الأدب والفن عليه أن يتجاوز مكونات هذه القواسم الطائفية والعرقية والقبلية المشتركة في المجتمع وأن ينبري ليكون وسيلة وصل وتوحّد وتقارب وتعارف روحي بين الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق.. بحيث تتوحد المشاعر والهموم المشتركة في المعاناة الإنسانية.. ويجسد الآخر همومه ومعاناته نفسها في الآخر وطنياً لا طائفياً!

هذا ما يدعونا أن نتأمل الحراك الأدبي والفني في المجتمع ودوره في وضع نقاط الحروف الإيجابية على نقاط الحروف السلبية.. والأدب معني بالدرجة الألى باقتحام أكثر القضايا تعقيداً وأشدها حرارة وإلتهاباً.. وإزالة الأدران الطائفية والعرقية والقبلية من جذورها والعمل على جليها بروح الإنسانية والوطنية.. وفقاً لمهنة الأدب والفن في الإمتاع والإبداع والابتكار وتسخير القِيم الجمالية لتفكيك العقد الاجتماعية التي تكوّنت تاريخياً وأصبحت من القواسم المشتركة في المجتمع والمؤثرة طائفياً وعرقِياً وقبلياً في حياة الناس!!

إنّ الحراك الثقافي والأدبي والفني هو أكثر جدارة وأهمية في التغلب على أصعب العقد الاجتماعية والفكرية التي ينوء بها المجتمع فهل ارتفعنا بالثقافة والفن والأدب على الوجه الصحيح الذي يمكن أن يلعبه في ميدان نزع الشروش الطائفية من وجدانية المجتمع وتطهير نفوس وعقول شرائح واسعة من أبناء وبنات هذا الوطن؟!

وإذا تأملنا مسائل ملتهبة مثل التجنيس والتمييز ودفن البحر وخلاف ذلك وتتبعنا جذور دوافعها الاجتماعية والسياسة فإنّنا لا يمكن أن نعفيها من الشروش الطائفية الدفينة في صميمها التي تعمل على تسعيرها ليس عبر الصبية المراهقين الذين يثيرون الحرائق والتخريب في الشوارع والطرقات فحسب، وإنما عبر بعض الصحف والأقلام التي تبدي ابتهاجاً بالرغم من شجبها وإدانتها لمثل هذه الأعمال الإرهابية والتخريبية!

وإذا كان الأدب والفن رأس حربة ماضية نجلاء ضد الطائفية.. فإنّه لا يمكن لأحد أن يعفي الأدب والفن من هذا القصور المزري وترك حبل الطائفية على غارب المواقف العشوائية والمجانية تجاه المخاطر الطائفية التي تُحدق بالوطن!! بالرغم من أنّ الوطن يغصُّ بالأدباء والكُتّاب والمثقفين والفنانين والمسرحيين والمفكرين.. وفي الوقت الذي ينبري أبرزهم أو الكثير منهم في الصحف العربية والمحلية لتناول قضايا هامشية وبعيدة كل البعد عن قضايا الإرهاب والطائفية التي تستهدف الوطن.. وعلى الرغم من أن بعضهم يتسلم مكافأة تفرّغ ثقافي وأدبي.

حقاً إنّ الأدب كان مسؤولاً وسيبقى مسؤولاً.. وإن مسؤولية الأدب تقع بالدرجة الأولى على عواتق مثقفي وأدباء وكتاب وفناني الوطن.. في أن يوجهوا سهام إنتاجاتهم الأدبية والفنية والإبداعية إلى قلب الظلام والطائفية.. لا أن يتسكعوا على هوامش أعقد المسائل وأكثرها خطورة على سلامة وحرية ووحدة الوطن!!

إنّ نهوضاً ثقافياً وأدبياً وفنياً معني بأن يأخذ دوره الوطني والإبداعي في اقتحام الطائفية في عقر دارها.. ونزع فتيل مخاطرها من قلب الوطن.. وليتلمس كل أديب وكاتب ومثقف وفنان نص ضميره.. ويعمل على إيقاظه من ظلام الإرهاب والطائفية!!

وقد نجد عذراً لبعض الكُتّاب والأدباء والفنانين الذين تطيّفت أرواحهم وعقولهم ونفوسهم وأقلامهم بالطائفية.. أما أولئك الذين يأكلون من أكتاف الثقافة مكافآت ورواتب مجزية وبقاماتهم الأدبية والفكرية.. فأي عذر يمكن أن نجده لصمتهم المطبق تجاه فحيح أفاعي الظلام والطائفية؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • المصدر:

الكاتب/ اسحاق الشيخ يعقوب. كتاب (في الثقافة والنقد).

أخطار تهدد الإبداع الفني



إنّ أحد الاخطار التي تهدد دائماً سوسيولوجيا الفن هو تعريف جامد للحياة الاجتماعية. بمعنى أن ألفاظا كـ "بيئة" و"مؤسسة" و"بنية تحتية" يجب إبعادها إلى متحف الأثريات قياساً إلى أنها تؤدي إلى الاعتقاد بأنّ التجربة الجماعية ممكن أن تكون جامدة، ثابتة وممكن تشبيهها بمادة الفيزيائيين القدماء. إذا فهمنا بشكل أفضل كيف يمكن أن توجد علاقة دائمة، متحركة تبعا للأطر الاجتماعية، بين مجموع القوى المنخرطة في سياق الحياة الجماعية والإبداعية سوف نستوعب بشكل أفضل الواقع الوجودي للعمل الفني. أليس من الأوهام النظر إلى التعبير الفني كنشاط متخصص غريب عن واقع المشاكل الحية؟ يبدو لنا على العكس، أن كل ابداع على أي صعيد وُجد ومهما كانت الأيديولوجيات التي تبرر وجوده هو في علاقة فورية مع تلك الحرية الجماعية الدائمة الفوران التي تبث الحياة في الواقع الإنساني وتقلب البُنى حتى أكثرها شللاً وجموداً وتلقي بالمجموعات الإنسانية (التي تشكل بالنسبة لها التمثلات الجماعية والتصنيفات محرك تكامل وثبات) وفي التغيير وبكلمة شاملة التاريخ.

بالطبع هذه العلاقة ليست ظاهرة دائماً والجدير بالذكر انّ الثورات السياسية ليست دائماً فترات إبداعية جمالية بل على العكس. إلا أن تغيرات أخرى أكثر جذرية تقوم على مستويات عميقة من الحياة الجماعية تكون الدرامات السياسية فيها هي التمثل شبه الكامل لها. وهذه التغيرات البطيئة هي التي تجعل التحولات القاطعة ممكنة والتي خلالها يجري الإنسان التجارب على الخيالي.

كل شيء يجري وكأنّ الجوهر الاجتماعي، "ألماني" يفعل بشكل مزدوج ودياليكتيكياً من خلال التأمل الفني، بالوقت ذاته كتحديد فاعل وكدعوة، انتظار، حاجة للإشباع، يكون إشباعها دائماً مرجأ كتعبير لما أسماه غورفيتش الحرية البروميتونية يبحث الفن عن تفتح وانتشار للتجربة الواقعية الحية. كإحباط يملي حنيناً لا يقمع للامتلاء المستهلك على شكل مشاركة. بهذا المعنى نستطيع القول بأنّ الفن يمد في الدينامية الاجتماعية بوسائل أخرى.

نستطيع أن نستخلص ثلاث نتائج من أجل تحليل للإنسان المجابه بالإبداع الفني والمتجذر في الوجود الاجتماعي، انّ الخيال الفني يملي مشاركة مرجأة، انّه يحدس بمسافة كبيرة من التجربة الواقعية على التجربة الممكنة؛ بالنهاية انّه رهان على قدرة النوع البشري على ابتكار علاقات جديدة والإحساس بانفعالات لا تزال مجهولة.

وكمشاركة مرجأة يتنافس الخيال الفني مع جوهر الجماعات الاجتماعية ولكنه يقترح تواصلاً كاملاً، حيث تنفتح الضمائر على بعضها وحيث الاستهلاك المتبادل للجوهر الاجتماعي يكون حاداً يغنيه بلا توقف – تبادل حاد ومستمر. هذه التجمعات التي توحي بها اشارات ورموز الفن لا تقارن بأي تجمع واقعي ولهذا فهي لا تخص مطلقاً نظام الواقع الإيجابي.

هذه المشاركة هي أيضاً استباق للتجربة الواقعية للبشر. فأحياناً يؤخذ الخيالي كسلوك يؤدي إلى فراغ وأحياناً وظيفة تفرز الصور، وأحياناً لعبة. الخيالي وسلوك وجودي يحاول من خلال الرموز والاشارات، ان يمتلك أوسع تجربة ممكن أن يحسها الإنسان، وبالتالي فيما هو أبعد من الانفعالات الحاضرة انها تتطرق إلى انفعالات مستقبلية.

في خلاصة بنية الجهاز العضوي يقابل كورت غولدستان الجسم المتضرر أو المريض الذي يكف عن البحث في بقائه، بالجسم الصحيح الذي يحاول مجابهة انفعالات جديدة. إنّ الصحة هي بلا شك في البحث عن صدمات مجهولة في اتخاذ موضع خطر وذلك في تعريض النفس لزعزعات غير متوقعة. قد يكون ذلك هو الشكل الأكثر بساطة للشجاعة الإنسانية. انّه يظهر كما يقول غولدستان عندما "يبحث الإنسان عما هو أبعد من بقائه" ويضيف: "هذه الكفاءة تتوافق مع ذات الإنسان وتظهر أعلى درجة للكائن العضوي عامة" أي الحرية. ان نقل هذه الإيحاءات إلى مستوى السوسيولوجيا لا يناقض خلاصاتنا. لأنّ الإبداع الخيالي هو حدس للوجود الواقعي فهو لذلك يشكل فرضية عما هو ممكن منطلقة مما يمكن أن تكون حياة وتجربة الجماعات والأفراد.

إن رسم غريكو يستبق الرؤية الممكنة لإنسان عصره. لم يري أحد من هؤلاء الرجال – اللهب الضائعين في عالم حيث السماء ذاتها معجونة من طينة المادة نفسها. عالم بلا فراغ ينتظر بلا شك الرسم الحديث لكي يصبح مفهوماً. إنّ الرواية الفرنسية أو الروسية توحي بعدد لا يحصى من الأوضاع التي لم يسبق ذياعها فارضة سلوكات وانفعالات لم تكن حتى ذلك الوقت قد حُسَّت. انّه نيتشه الذي فتّش في نيس في المكتبات وتصفح رواية لدستوفسكي هو الذي يتحسس الصدمة الآتية والتي ستشبع وجوداتنا اليوم. ان موسيقى الجاز التي أوحت بها أفريقيا ونُقلت إلى أميركا هي التي ستعدل حساسيات ثلاثة أجيال متتابعة وأكثر كفاءة لاكتشاف تنوع الانفعالات الممكنة في عالم ذي تنوعات لا متناهية وان Mezz Mezzrow وMalcolm Lowry يستبقان الأهواء التي سيظهرها البينتك عام 1966.

إننا نرى أن عمل فنان ما هو رهان على المظاهر المستقبلية للوجود – لو كان جوهرنا معطى لنا حقيقة، هنا، على مرمى يدنا لما كنا وهذا بلا شك قصدنا إلى أبعد مما يقسرنا. ولكننا غير كافين لأنفسنا فنحتكم إلى ما هو غير موجود بعد. وأحياناً يعيد الشكل الذي نعطيه لهذا الانتظار من يتوجه إليهم هذا الانتظار. وأحياناً نبقى بلا وارث. وماذا يهم؟ انّ هذا لا نستطيع أبداً إدراكه مسبقاً. إننا ما كنّاه بقدر ما نحن ما نتخيله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر:
موقع البلاغ: للكاتب جان دوفينيو. ترجمة: هُدى بركات. كتاب (سوسيولوجيا الفن).

القلق.. الجنون.. والفنون



يقولون في الأمثال الشعبية: "الجنون.. فنون".. وقد أثبت العلم وجود علاقة قوية بين الحالات الانفعالية الشديدة التي تسبب الاضطراب النفسي والتي يطلق عليها عامة الناس "الجنون" وبين الإبداع الفني الذي يظهر في صورة لوحات فنية معبرة عن العالم الداخلي للإنسان.. وأحياناً في صورة أعمال أدبية أو فنية تظهر فيها عبقرية استثنائية غير معتادة. وهنا محاولة لاستكشاف هذه العلاقة بين الإبداع الفني والانفعالات الإنسانية الداخلية.

  • الإبداع حالة نفسية:
حين يبدع الإنسان فإنّه في الغالب لا يكون في حالة طبيعية من الوعي المعتاد، وحين يكون في هذه الحالة الخاصة فإن ما يعبر عنه في إبداعه الفني يكون تعبيراً عن كوامن نفسه، وانعكاساً لما في عقله الباطن وتعبيراً عن تجارب وخبرات من الماضي والحاضر، أو تطلع إلى المستقبل، كما أنّ الإبداع الفني بين وجهة النظر النفسية هو ظاهرة استثنائية يكون وراءها في العادة موهبة فطرية تؤدى إلى القدرة على الخلق والتميز، ومن ناحية أخرى فإنّ المعاناة الإنسانية والظروف والمؤثرات التي يتعرض لها الإنسان هي التي تظهر هذه الموهبة.. ومن هنا كان الارتباط بين الإبداع والحالة النفسية.
  • التحليل النفسي للفنون:
تنعكس الانفعالات والمشاعر الداخلية للإنسان على أسلوبه في التعبير بالكتابة، أو الكلام، أو حين يمسك قلماً ويرسم على الورق.. فالإنسان الذي يعاني من الاكتئاب النفسي مثلاً ويرى الحياة كئيبة والدنيا كلها يأس وظلام، يتجه إلى رسم أشكال سوداء، وأشياء مشوهة ذات ألوان داكنة، بينما يمكن لنفس هذا الشخص حين يتخلص من الاكتئاب ويعود إلى حالته الطبيعية أن يرسم لوحات من الزهور وأشياء تدعو إلى البهجة والفرج ويلوّنها بألوان زاهية.. كما أنّ الإنسان في حالة القلق والخوف يعبر عن ذلك بالكلام والرسم بما يعكس ما يدور بداخله من مشاعر وأفكار.
  • فنون المرضى وفنون المبدعين:
حين يقوم المرضى العقليين الذين يعانون من الهلاوس – وهي أصوات يسمعها الإنسان أو أشكال تتراءى أمامه – بالتعبير بالرسم فإن لوحاتهم تعكس العقد والصراعات في داخلهم، ويبدو فيها الغموض والحيرة وتداخل الأفكار.. ولعل الرسم هو أحد الوسائل التي يمكن للأطباء النفسيين استخدامها لمعرفة الكثير من العقد وأفكار المكبوتة داخل العقل الباطن لهؤلاء المرضى حين يتم السماح لهم بالتعبير الحر عما يريدون عن طريق الرسم، ثمّ تحليل ما يقومون بإسقاطه على الورق.

وفي الأعمال الفنية لكبار الفنانين العالميين ما يدل على الخلفية النفسية لهم من خلال العلامات والدلائل التي تحملها الأشكال والألوان التي تزخر بها اللوحات والأعمال الفنية الشهيرة، ومثال ذلك أعمال الفنان "فان خوخ" التي تأثرت بالمرض النفسي الشديد الذي كان يعاني منه حتى أنّه في نوبة من الاضطراب النفسي قام بقطع إحدى أذنيه وقدمها هدية لامرأته.
  • الفن العالمي في العيادة النفسية:
هناك لوحات تعد من الأعمال الفنية العالمية الخالدة تحمل أسماء لها دلالات نفسية قوية.. مثل لوحة "المكتئب" لفان جوخ.. ولوحة "الصرخة" التي تعبر عن القلق والخوف من أعمال "مونش"، ولوحات أخرى عديدة تدل ألوانها وخطوطها وفكرتها على ما بداخل عقل صاحبها من مشاعر الحزن أو القلق أو ما أصابه من اضطراب وتداخل وتشويش. وفي الجانب الآخر هناك لوحات تبعث رؤيتها عن النظر إليها للوهلة الأولى على الارتياح. مثل لوحة الموناليزا أو "الجيو كاندا" الخالدة التي تمثل وجهاً يبتسم.. وتعطى اللوحة شعوراً لكل من يراها يحمل الإيحاء بالارتياح والتفاؤل.
  • ارسم شيئاً يظهر قلقك وعقدتك:
لقد أمكن – في العيادة النفسية استخدام أسلوب الرسم في تشخيص الحالات التي تعاني من الاضطرابات النفسية.. وإظهار الكثير مما يخفيه المرضى من الصغار والكبار عن طريق السماح لهم بالتعبير عما يشعرون به في صورة رسم لوحات فنية، فحين نطلب إلى الطفل الذي يعاني من اضطراب نفسي أن يرسم صورة لرجل، أو نطلب منه أن يرسم وجه أبيه أو أمه أو معلمته في المدرسة فإنّه في هذه الحالة عادة ما يعبر عن شعوره نحو كل من هؤلاء بإبراز ملامح مرغوبة أو إظهار علامات مشوهة في أشكالهم تعبر عن وجهة نظره نحوهم التي لا تستطيع أن يعبر عنها الكلام.

عزيزي القارئ – لقد أمكن لي من خلال عملي في مجال الطب النفسي ملاحظة الكثير مما يقوم المرضى النفسيين حين يعبرون بالرسم.. فكان محتوى لوحاتهم في كل الحالات هو انعكاس لانفعالاتهم ومشاعرهم وأفكارهم.. بما يمكننا في كثير من الحالات من التوصل إلى ما يدور داخل عقولهم من هموم وأفكار لا يعبرون عنها بالكلام أثناء المقابلة والحديث مع أطبائهم.

أن جمع وتحليل نماذج من رسوم المرضى النفسيين – وهذا ما حاولت عرض البعض منها هنا – قد نتعلم منه الكثير حين نحاول عن طريق الفنون أن نغوص في أعماق النفس الإنسانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر: 
موقع البلاغ: د. لطفي الشربيني. كتاب عصر القلق. الأسباب والعلاج.

السبت، 30 نوفمبر 2013

كيف أنمي وأطور ذاتي؟


تقديم مختصر لجزء من برنامج كيف أنمي ذاتي، ضمن أحد برامج التنمية البشرية،،



1. تقدير الذات وتطويرها:

احترام الذات والإحساس بقيمته كفرد في هذا المجتمع، والابتعاد عن ما يعكس شعورك، ويؤثر فيه سلباً عن طريق النظر بايجابية للحياة ولنفسه كشخص ذو قيمة. وتطوير الجانب الغالب عليه، وموازنة الأنماط لديه.



2. قيم نفسك:

بعد كل عمل تقوم به أو هدف تقدم عليه، راجع نفسك وانظر إذا ما كنت تقدمت أو مازلت في مكانك، وهذا يساعد على التطور والاستمرار.


3. تحسين نظرتك للزمن:

أكان الماضي أو الحاضر وحتى المستقبل؛ فالتعلق في الماضي وخاصة إذ ما كان مؤلم لا يعطي أي نتيجه، لأنه يسحبك له ويقيد تقدمك. ركز على الحاضر واستفد من دروس الماضي في تطويره، وإن كان يحمل الكثير مما يضايقك، فحسنه من أجل مستقبل المشرق، وحدد أهدافك التي تهمك وأبحث في سبل تحقيقها.


4. حسن إدارتك لنفسك ووقتك:

  • بوضع خطط لأهدافك اليومية ومن بعد ذلك الشهرية والسنوية.
  • الاستفادة من وقت الفراغ (في القراءة، التأمل، الاسترخاء).
  • قضاء بعض الوقت في الاطلاع على كل ما يفيد ويساعد على تحقيق أهدافك.
  • للاستفادة من الوقت والتخلص من خلط الأمور.. (غير ملح/ هـــام، ملح/ هـــام، غير هام/ غير ملح، ملح/ غير هام).


5. جدد طاقتك:

من خلال الخطوات الأربعة لتجديد الطاقة:

- لاحظ ما يمنحك الطاقة ويسلبها.
- الحيلولة دون حدوث فقد غير ضروري لها.
- أحداث التوازن عن طريق الربط بين الأشياء التي تضيف لك طاقة وتلك التي تسلبك إياها.
- أبحث عن فرص لزيادة الأمور التي تزيد طاقتك في يومك.


6. معرفة نقاط القوة ونقاط الضعف:

نقاط القوة هي تلك الأمور التي تملكها في وقتك الحالي، تساعدك على استثمار الفرص الأفضل، مثل (المرونة، التحفيز الرغبة، الإيمان بتحقيق الأهداف، الإصرار، تقدير الذات). أما نقاط الضعف فهي تلك الأمور التى تضعف قدرتك على استثمار فرصيك موجودة الآن تحد من تقدمك، مثل (عدم الصبر، الكسل، اليأس، التقلب المزاجي، عدم المرونة).


7. حل المشاكل المتراكمة:

عندما نصادف مشكلة نجعلها أكبر همنا، فيصبح تفكيرنا منحصر فيها ويطول الوقت دون أن نجد الحل، ومع مرور الأيام تظهر لنا مشكلة أخرى وتبدأ المشاكل بالتراكم، حتى نعيش على أساس تدعمه رواسب هذه المشاكل. لهذا عندما تقابل مشكلة معينه أعط نفسك وقت محدد لتفكر في المشكلة، ومن ثم انتقل للتفكير في حلها، ووسع دائرة التفكير حتى تجد الحل بسهولة.

8. بناء الثقة في النفس:

تؤثر الثقة في قدرة الفرد على الاستمتاع بالحياة في أوقات الانتصار، والتكيف مع الإحباطات التي قد تطرأ عليه في وقت النكسات. فالثقة شعور خاص وفردي للغاية، لذلك إذا أردت بناء الثقة في نفسك، فعليك أولاً أن تبحث عن البواعث التي تثيرها وتنميها. فالأشخاص الواثقين يتمتعون بالمثابرة ومواصلة السعي، وهم مستعدون لتحمل المخاطر والخوض في تحارب جديدة، كما إنهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم ويميلون إلى الاسترخاء في المواقف الاجتماعية.

احترام الذات والإحساس بقيمته كفرد في هذا المجتمع، والابتعاد عن ما يعكس شعورك ويؤثر فيه سلباً عن طريق النظر بايجابية للحياة ولنفسه كشخص ذو قيمة. وتطوير الجانب الغالب عليه وموازنة الأنماط لديه.



  • عشر نصائح لتطوير الذات الإنساني:
  • النصيحة الأولى: 
إجعل التجديد في حياتك.. بتنويع أساليب المعيشة، وتغيير الروتين الذي تعيشه.

  • النصيحة الثانية:
إذا أردت العسل.. فلا تحطّم خلية النحل.

  • النصيحة الثالثة:
كرّر ذكر (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنّها تشرح البال، وتصلح الحال، وتحمل بها الأثقال، وترضي بها ذي الجلال.

  • النصيحة الرابعة:
أكثر من الاستغفار.. فمعه الرزق والفرج، والعلم النافع، والتيسير، وحطّ الخطايا.

  • النصيحة الخامسة:
إبسط وجهك للناس تكسب ودّهم.. وألِن لهم الكلام يحبّوك.. وتواضع لهم يجلّوك.

  • النصيحة السادسة:
عليك بالمشي والرياضة.. وإجتنب الكسل والخمول.. وإهجر الفراغ والبطالة.

  • النصيحة السابعة:
لا تضيّع عمرك في التنقل بين التخصصات والوظائف والمهن.. فإن معنى هذا إنّك لم تنجح في أيّ شيء.

  • النصيحة الثامنة:
إبتعد عن مصاحبة المحبطين، ومعاشرة الكذّابين، ومرافقة الجبارين.

  • النصيحة التاسعة:
من واسع الأفق.. والتمس الأعذار لمن أساء إليك لتعش في سكينة وهدوء.. وإياك ومحاولة الانتقام.

  • النصيحة العاشرة:
لا تحجّر تفكيرك.. (ما يزال الرجل عالماً.. مادام حريصاً على العلم والتعلّم.. فإن ظن أنّه قد علم فقد بدأ جهله).

حلم، حقيقة، وخطأ

لنحلم..

من حق كل شخص أن يحلم بما يريد..
يرسم حياته التي يحب، ويصبح كما يتمنى..
من حقك.. فلا تحرم نفسك، وإن كثر الضاحكون..
احلم، واستمتع بحياتك..

لوحة (الحلم) للفنان بابلو بيكاسو، زيت على توال، 1932م.

  • حقيقة:
نعاني كثيراً من مشاكل تعطل أيامنا، وتكدر صفو حياتنا، نهاراً وليلاً تشغلنا، تأكل وتشرب معنا، ننسى الضحك معها، ونتحد بالهم والحزن بسببها، وفي لحظه لم تحسب لها حساب تحل المشكلة، ويستمر اليوم بعكس ما ابتدأ به يوم عادي فرح وسعادة، يغمرنا النشاط، والأفكار تجتاح سمائنا، نظره إيجابية لكل ما حولنا، يوم كأي يوم، وقد يكون أفضل، وفجأة ودون سبب أو مبرر، يغمرنا الحزن مره أخرى، ونبدأ بالبحث عن كل ما يزيد همنا، وبسبب أتفه الأمور نفتعل المشاكل مع الكل.

لكن ما السبب الحقيقي وراء تقلب المزاج المباغت؟

ترسبات المشاكل وراء تلك المشاعر التي بدون مقدمات تنبع، سببتها مشاعر قديمة وأحداث مؤلمة مع بعض الأشخاص أو عُرضنا لمواقف بسبب الغير لا ذنب لنا فيها جرح مشاعر، أو إهمال عُوملنا به، ظلم قيدنا، وأوضاع أجبرنا عليها.

لهذا أعط نفسك يوم استرخ فيه وتأمل مواقف مررت بها قديماً، وحاول ان تتخلص من تلك الترسبات بأن تضع حد لها، فإن كنت تعاني بسبب شخص، صارحه وأنهي معاناتك معه، وأن لم تستطع، فتخلص من المشاعر السلبية بالطرق المعروفة الآن في مجال تطوير الذات (العلاج بخط الزمن – تكديس الإرساء – تحطيم المعتقدات السلبية)، أبحث عن حل، لا تستلم لهذه الأمور التي قد تحول حياتك لجحيم، وهي أتفه من أن نذكرها.

حقيقة، انظر إلى الجانب المشرق في حياتك تشرق حياتك.

لوحة (صرخة)، من أعمال المدون، أحبار ومواد مختلفة على ورق، 1997م.

"هل للصرخات ترجمة ومعاني،، وهل لنا الحق أن نصرخ،، ومن يفهم هذا الصراخ،، لا أحد .."

  • أخطأت:
كنت أتحدث مع أحد أصدقائي وإذا به يتصرف بغضب وعصبيه، حاولت أن أوضح له وجهة نظري إلا أنه استمر في غضبه حتى نسيت أنه غاضب مني، لم افهم لماذا غضب، فقد كنت صريح وواضح معه وأتحدث بكل بساطة، لكنه مع هذا كله غضب مني.

قبل أيام غضبت أنا بدوري من أحد أصدقائي، ومازلت اشعر بغضب كلما تحدثنا أو حاولت الاتصال به، واليوم أعدت الكره، أخذت بعض الوقت أفكر بما حصل عند اختلاف الآراء، يتمسك كل واحد منا برأيه، وكأنه على صواب دائم، وأحيانا يكون لكلانا وجهة نظر صحيحة لكنها من زاوية أخرى، وهذا ما يخلق بعض التوتر والغضب دون أن نعيه.

في لحظه ننسى أن التجارب التي تمر علينا والخبرات التي عرفناها في حياتنا كونت صورة وواقع في عقلنا الباطن مما يجعلنا نحكم على بعض الأمور بسرعة قبل أن نأخذ بعض الوقت في التفكير، فبعض الأمور طبعت في رؤوسنا على أنها صحيحة وحقيقتها خاطئة، أو قد تكون صحيحة في ذلك الوقت، ولكن ليس لكل وقت، البعض لديه خبرات اقل ونظرته للأمور محدودة فبناء عليها يكون رأيه.

لهذا يجب أن نتذكر أننا نرى الحقيقة من خلال تجاربنا نحن، وخبراتنا والقيم التي زرعت على مر السنين، وكثيرا ما نخطئ في طرح حقيقة معينه والتمسك بها وبعد فترة نكتشف الواقع، وكثيراً ما نشكك في صحة رأي أي شخص خاصة إذا كان أقل منا خبرات أو أصغر عمرا.

فلنقبل بوجهات النظر المختلفة، فمنها نستطيع أن نكون أراء جديدة وفكره قوية، فكل ما وسّعنا دائرة المعرفة لدينا زادت خبراتنا وفهمنا للواقع، لهذا فلنراقب أفكارنا وخبراتنا ونراجعها ونحسن من أنفسنا، ولكل من أخطأت في حقه عذراً.

لوحة (طائر الاحزان)، من أعمال سعيد القطان، حبر على ورق، 2001م.

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

الفن في رسالته التربوية



أعتقد جازماً أن كلمة (الفن للفن) أصبحت، في هذه الأيّام في عداد الكلمات المحنطة مع مخلفات اللغة التي لا دور لها في الحياة العملية (الواقعية) البتة. إنما ينحصر وجودها كدليل لتاريخ تطور معاني الكلمات، وتوضيح التغيير الذي يطرأ على عموم المداليل والمفاهيم، عبر مراحل الزمن لهذا خسر (كروتشه) الرهان في مفهومه عن الفن عندما قال: "إنّ الفن يقصد ذاته في ذاته. لا يخضع لأي من القيم الأخلاقية أو الاجتماعية السائدة".

واعتقد جازماً أيضاً، أنّ الفن، هو للمجتمع، للشعب، للحياة، هذا هو المفهوم الصحيح الذي يدل عن حقيقة وجود الفن، في مضمونه وشكله، في غايته وهدفه، في رسالته وخدمته، قال (جوستاف كوربيه): "لم يكن هدفي الوصول إلى أن الفن للفن أبداً.. كلا.. ولا أن أكون فناناً مصوراً فقط، إنما إنسان.. وبكلمة واحدة أن أعمل فناً حياً.. هكذا كان هدفي".

إذن الفن لا ينفصل عن الواقع، وله دور أساسي في بنائه وتطويره، والفنان الحق هو ابن أمته، الذي يستمد فنه من ميدان حياتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والمادية. ويصوغه لها بنفسه الشفافة، وشعوره المرهف، وريشته المبدعة الخلاقة، فيسكب قضايا الحياة، ومفاهيم الوجود، ومعاني القيم والأخلاق، والسلوك والتربية، وسائر التطلعات المنشودة في الرقي والتقدم. (يسكبها ذوباً من روحه وعصراً من وجدانه)، عرائس خيال مبدعة، وآيات جمال رائعة. لوحات يصور في ألوانها وأضوائها وأصباغها، وكتل مادتها، الهموم وجبال المتاعب في أمته، كأنها زائلة، بفعل الإنسان وتفاؤله العظيم مجسداً فيها دأبه العنيد، في تحدي الصعاب، وقهر المستحيل، واستعذاب الصراع في الحياة. في الوجود.

فالفنان الحق هو الذي يكرس في فنه حب هذا القانون التاريخي الخالد.. قانون صراع الثنائية، الذي انبثق عنه ذلك المبدأ الخالد.. قانون صراع الثنائية، الذي انبثق عنه ذلك المبدأ الجدلي (الديالكتيكي). وما تمخض عنه من ميكانيكية في تغيير وتحويل تركيبات المجتمع وتطورات الحياة وسيرورة الكون والمادة معاً قال (بيير فرانكاستل): "في الفن واحدة من لحظات خلق الإنسان خلقاً مستمراً لذاته. خلقاً لواقع جديد ولقيم جديدة. لذا يرفض أن يكون وظيفة الفن مسخاً لواقع سابق الوجود.. بل لحظة جدلية ضرورية في بنية المجتمع البشري، وهو يصوغ صفحة وجهه".


فالفنان مقحم بالضرورة في هذا المعترك. والفن الذي ينتج عنه رسالة اجتماعية تربوية تؤدي غايتها من أجل الحياة والمجتمع، لابدّ أن تكون بالطبع متشعبة واسعة الأرجاء تدخل في سائر صنوف الحضارة البشرية. لهذا نرى من خلالها فعالية الفن وقوة إيجابيته، ووفرة مردوده وأثره في كل ما ولجه الإنسان وطرق بابه، سواء أكان في الطبع أو الفكر، في العقل أو الخيال، في التفس أو الروح إلخ. قال (أرسطو) قديماً: "وما الفن إلا بعض ملكة إنتاجية يوجهها العقل الحق". قال هيجل حديثاً: "بالفن أحرز الإنسان أوّل انتصار على المادة، قبل أن ينتصر عليها انتصاراً كلياً بالعلم". وأما (هوبسمان) فقد قال: "إذا صح أنّ العلم هو اكتشاف نظام كوني عام، وضروري بوساطة القياس. فما الفن، هذا الإنسان المضاف إلى الطبيعة هذا التسامي بالواقعية اليومية، إلا اقتلاعاً من المادية إلى الخارج..".

فالفن هو بجوهره اكتشاف وجهد وفكر، إلى جانب كونه إبداعاً وخلقاً وخيراً وجمالاً. فهو يجمع بين وحدة الفكر والطبيعة، كما يقول (شبلنج) الألماني؛ وهو يجمع بين وحدة الخيال والعقل. ففيه نتذكر مثلنا ونتصور نماذجنا وانسجامنا، وفيه نكتشف السمو الكامن في أعماق وجودنا، وهو كل الكمالات المشفوعة بها قوانا الروحية والنفسية والجسدية – المادية –. إنّه بمثابة المركز الهندسي لجميع القيم التي يهدف بها الإنسان نحو الخير والجمال والحق.

وبهذا المفهوم المشبع بالسمو والتجريد والعمل والعاطفة يمثل الفن، كما أسلفت، مكانته الاجتماعية في الأُمّة. ويأخذ قسطه الأوفى في رسالة التربية فيها.

فهو أفضل الأدوات التي يتربى (يتعلم) الإنسان بواسطتها كيف يضاف إلى الطبيعة وكيف تصبح هذه الطبيعة امتداداً له، ويقلب جفافها ووحشيتها إلى حضارة ورقة وجمال. ويجعل الحياة، بالتالي فيها، تمور بالتطور والخلق والابتكار. قال غوته: "على الفنان أن يؤسس في الطبيعة ملكوته الخاص به خالقاً منها طبيعة ثانية".

ولا يغرب عن بالنا أنّ السمو الفني ليس عبارة عن لذات وعواطف فحسب. بل أنّه جهد نفسي وفكري وعقلي معاً. قال (تولستوي): "ليس الفن متاعاً، أو لذة، أو ألهية. بل الفن عضو حياتي في الإنسانية ينقل إلى حقل العاطفة إدراكات العقل".

وقال (هربرت ماركيوز)، أيضاً: "حقيقة الفن تقوم على تحرر الحساسية في إعادة توافقها مع العقل".

وأما جوانب التذوّق فيه – في الفن – جوانب العواطف لا تكون كما هي عليه في الطبيعة. بل تكون دوماً مشفوعة بجوانب الجمال ومصعدة بقيمه العالية السامية التي تطرد كل المشاغل النزوية من ساحها. وتعلو على كل الطبائع الحيوانية في الإنسان. فمن نافذة الجمال هذه تمكن الفن أن يصبح أداة تربوية صالحة في المجتمع، مثلاً في معالجة قضايا الكبت، وإظهار كل المشاعر والأحاسيس المطمورة بالقمع والقسر. إظهارها بصورة إنسانية راضية. مسلمة بالقيم النابعة من أغوار النفس الإنسانية وعلى رأسها قيم الحرية. فالفن أكبر وسيلة لتربية الحرية في نفس الفرد والمجتمع معاً. وأكبر عامل لنفي كل مظاهر العبودية والاستلاب في المجتمع. يقول (هربرت ماركيوز) نفسه: "ارتباط الفن بالصورة يعوق نفي العبودية. وحتى يتحقق نفي الاستلاب ينبغي أن يظهر الاستلاب عبر الفن بمظهر الواقع الراهن والتحكم فيه.. فالفن هو حليف الثورة".

وحتى لا يكون الفن قد قاد الإنسان إلى الحرية الفردية، التي ينشدها أعداء المجتمع والحياة. النزاعون إلى التقوقع على الذات والاستغراق في التأمل. المحصور بين عظام الجمجمة وبين أربعة جدران.. البعيد عن أي نبض في الحياة. وعن أيّة معاناة ميدانية في الواقع. لتبقى "الأنا" بنظرهم شامخة في قصرها العاجي الخيالي. كما يقول (كلود برنار) أحد المتطرفين في هذا المذهب: "إنّما الفن أنا".

بل ليكون الفن الحقيقي هو الذي يقود الإنسان ليتعامل مع الحرية، ليس بمفهوم هذه (الأنا) المطلقة، بل بمفهوم (الأنا – النحن). فالفن بطبيعته الأصلية ذو طابع اجتماعي بحت وإن كان من صنع إبداع ذاتي. لأنّّ هذا الإبداع الذاتي يعكس العام من النماذج بشكل فردي محسوس. يعكس كل ما يشعر به الناس. ويحول الخفي المبهم عندهم إلى شعور تام واضح. فالفن إذن ناتج عن انعكاسات الصور الواقعية في الطبيعة والحياة والمجتمع. انعكاساتها في عدسة نفس الفنان الشفافة. هذا الإنسان المكثف لمجتمعه المحشود وعياً لواقعه. المصفى من نقاء المناقب والصفات وخلاصة الوجود. فهو الإنسان الفرد – العام، إذا جاز هذا التعبير. المستشرف لزمنه، القابض على دفة المبادهة في قضايا الحياة بشعور من الحرية المسؤولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر:
وهيب سراي الدين، عن كتاب (في معنى العمل ومقالات أخرى في التربية والفن والمنطق العلمي).

دور الفن والتربية فى التمنية البشرية


إذا أردنا شعبا علينا تعليمة الإحساس وفهم الجمال، وذلك هو دور التربية الفنية، أي تعليم الفنون التشكيلية لبناء الشخصية، ويبدء من الصغر وعلى أكتاف التربية الفنية، وتعتبر تعليم المهارات للحرف اليدوية من أهم الموارد البشرية كالعمود الفقري الذي يقوم عليه ومن أجله سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار الانسان هو صانع التنمية وهدفها.

لقد تنوعت طرق التدريس الحديثة تبعاً لتغير النظرة إلي طبيعة عملية التعليم، فبعد أن كانت تعتمد على الحفظ والتسميع اتسعت لتشمل المستويات الإدراكية المعرفية مما يتطلب إيجابية المتعلم في التعليم بهدف إظهار قدرات الطلبة الكامنة والارتقاء بها، ولم تعد الأساليب التقليدية في التدريس تلائم الحياة المعاصرة، ولذلك ظهرت نظريات تربوية عديدة تساعد على اكتساب العديد من المهارات العقلية والاجتماعية والحركية، وتتمثل مهمة المعلم الحديث وفقاً للطرق الحالية في إتاحة الفرصة للمتعلمين لتحصيل المعرفة بأنفسهم، والمشاركة بفاعلية في كافة أنشطة التعليم، والإقبال على ذلك برغبة ونشاط حتى يعتادوا الاستقلال في الفكر والعمل والاعتماد على الذات.

ولهذا فان المؤشرات المتعلقة بتنمية المهارات الفنية تعتبر مؤشرات واقعية للدلالة على مرحلة النمو في أي مجتمع اكثر من أي مجال آخر، ومن تلك المؤشرات ما يتعلق بالتعليم الفني والمهارى بشكل عام، والتدريب على الحرف اليدوية بشكل خاص كونه المعنى بتزويد العملية الإنتاجية في أي مجتمع بالمهارات والقدرات الإنتاجية المختلفة، خصوصا في ظل ما يشهده العالم من تفجر تقنى في المجلات كافة، وما يترتب في أساليب العمل، وتجعل من عملية التأهل التحدي الأساسي الذى نواجه به الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية كافة، ونمو النواحي الحسية والجمالية والثقافية، وتعديل سلوك الفرد في المجتمع.
  • وإليكم أعزائى هذا المثال:
ما الذي يمكنك أن تفعله ببضعة قصاصات من الورق الملون؟
غالباً لا شيء.. لكن لو أضفت إليها بضع قطرات من الإبداع قد تتحول إلى لوحات فنية مدهشة:


فما تشاهدونه في هذه الصورة هو أحد فنون الرسم الغير تقليدية التي تعرف بفن الرسم بقصاصات الورق الملوّن (Quilling). قد يكون الاسم غير مألوف للكثيرين، لكن المدهش هو أن فن الرسم بقصاصات الورق الملوّن فنٌ قديم يعود لأيام الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر.

يعتمد هذا الفن بصورة رئيسية على قطع قصاصات متساوية من الورق في صورة شرائح طويلة ثم لفّها حول نفسها بأداة خاصة تعرف باسم إبرة لفّ الورق (Needle Quilling Tool)، وتأتي بعدها مهارة الفنّان في توظيف هذه القصاصات الملفوفة لصنع أعمال فنية رائعة، وتثبيت قصاصات الورق بالصمغ. وقد نشأ هذا الفن في الأصل لتزيين أغلفة الكتب والأشياء الدينية في أوروبا أثناء الثورة، ثم تحول في القرن الثامن عشر إلى هواية لسيدات الطبقة الراقية في أوروبا كنشاط يقضين به الوقت دون إرهاق ذهني. لم يتغير فن طيّ الورق الملوّن كثيراً منذ ظهوره، لكنه تحول هذه الأيام لوسيلة دعائية وتسويقية مميزة، فضلاً عن استخدامه لتزيين الهدايا، أو عمل لوحات فنية مبتكرة.







كل الأعمال التي شاهدناها في الأعلى للفنانة (كاثلي) التي جمعت هذه اللوحات في صفحتها على موقع (Deviant Art)، وعلى الرغم من جمال هذه الأعمال وتميزها، إلا أن الفنانة الروسية (يوليا برودسكايا) ذهبت بفن الرسم بقصاصات الورق الملوّن إلى أبعد من ذلك بكثير:

وقد حصلت (برودسكايا) على ماجستير في التواصل باستخدام الجرافيك عام 2006، وبدأت من حينها في ابتكار أعمال فنية أدهشت العالم كهذا البورتريه:


تعمل (برودسكايا) بشكل أساسي في الدعاية والتسويق، وتقوم بعمل لوحات فنية لكثير من الشركات الكبيرة لترويج منتجاتها، وهذه بعض أعمالها التي أكسبتها شهرة عالمية:






ويمكنكم مشاهدة المزيد من خلال موقعها artyulia.com، وهذا الفيديو يوضح لكم مُقدمة عما تحتاجونه لبدء أعمالكم الخاصة:


أجمل ما في الإبداع هو أنه ليس له حدود!

الخميس، 28 نوفمبر 2013

فلسفة فن التصوير الصيني

الفراغ والملاء

(حورية نهر لوه "Luo")، القرن 13، اسرة سونغ ، نسخة من الأصل للفنان جو كيزاهي
(Gu Kaizhi) (تقريبا 345-406)، حبر وألوان على الحرير، 21.7 × 52.8 سم.
متحف القصر في بكين، الصين.

يحتل فن الرسم المكانة الأهم بين جميع الفنون في الصين، ويذهب كثير من المؤرخين إلى أن الصينيين يعدون فن الرسم الفن الحقيقي الوحيد، ونظروا إلى هذا الفن بوصفه من أرفع تمظهرات عبقرية الإنسان المبدعة، وما فن الرسم لديهم الا محصلة لمفهومهم حول الحياة كذلك يعده المؤلف فرانسوا شينغ (موضوعاً صوفياً حقيقياً، والإنسان الصيني مؤمن تماماً بأن فن التصوير هو الذي يظهر سر الكون بامتياز)، ويبدو هذا الفن بالإضافة إلى الشعر تلك القمة الأخرى من قمم الثقافة الصينية من خلال الفضاء الأصلي الذي يجسده، ومن خلال النفحات الحيوية التي يثيرها يبدو أنه لا يزال الاجدر ليس على وصف مشاهد الخلق بل على المشاركة في (أفعال) الخلق نفسها، وعد فن الرسم نفسه ممارسة مقدسة خارج التيار الديني ذي التراث البوذي قبل كل شيء ثمة فلسفة أساسية هي أساس فن التصوير تطرح مفاهيم دقيقة لعلم الكون وللمصير البشري وللعلاقة بين الإنسان والكون، ويمثل الرسم طريقة خاصة للحياة بوصفه تطبيقاً لهذه الفلسفة ليس هذا الفن مجرد اطار للتمثيل، بل هو يهدف إلى خلق مكان وسط تكون الحياة فيه ممكنة ففي الصين الفن وفن الحياة يشكلان كلاً واحداً.‏

(جبال الثلج)، للفنان جوه تشي (Guo Xi)، حبر على ورق، القرن 11، متحف شنغهاي، الصين.
والفنان (جوه تشي) هو رسام المناظر الطبيعية، ويمثل سلالة سونغ الشمالية، والتي تصور
الجبال والأنهار والغابات في فصل الشتاء. وهذه اللوحة يظهر مشهد من واد جبلي عميق
وهادئ المكسوة بالثلوج والعديد من الأشجار القديمة تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة على
المنحدرات متهور. بل هو تحفة من قوه شي باستخدام الحبر الضوء والتكوين الرائعة في
التعبير عن رأيه تصور فني مفتوحة وعالية.

من خلال هذه الرؤية يرى الفكر الجمالي الصيني الجميل متواشجاً دوماً مع الحقيقي لذا من أجل الحكم على قيمة عمل ما تميز التقاليد ثلاث درجات من الجودة، وهي: العمل الذي هو نتاج الموهبة الكاملة والعمل الذي هو نتاج الجوهر الرائع وكدرجة أسمى هناك العمل الذي هو نتاج الروح الإلهية.‏

لأن المثل الأعلى الذي يحرك الفنان الصيني هو أن يحقق الكون الأصغر الحيوي الذي يعمل فيه العالم الأكبر.‏

عرف الفن الصيني تطوراً مستمراً على مدى التاريخ، وعلى الرغم من ارتهان هذا الفن بالأحداث فقد تبع قوانين تغيره الخاصة لم تكن هذه الفترات من التفتت والفوضى، وعلى الرغم من الانحطاطات والتساؤلات التي نجمت عنها أقل ملاءمة للإبداع الفني ثمة تياران نهضا بفن الرسم الصيني، وقد تغذى احدهما من الآخر وهما: التيار الديني الذي وسمه فن التصوير المتأثرة بالتأوية، ثم البوذية، أما التيار الثاني الدنيوي الذي لم يكن أقل روحية من التيار الأول على الرغم من كونه (دنيوياً)، وهذا التيار الأخير هو موضوع دراسة فرانسوا شينغ لكونه ممارسة عملية للفكر الجمالي الصيني.‏

وأنواع الحبر هي ستة أشكال للاحتراف‏، ويمكن التمييز بين هذه الأنواع المختلفة من الحبر (تعد ألواناً مستقلة) وهي الجاف، المخفف، الأبيض، المبلل، المركز، والأسود. وهي تنقسم وفق هذا التعبير الشهير المستوحى من البوذية: (اللون هو الفراغ، الفراغ هو اللون). يدل اللون هنا على التجلي المدغدغ للعالم الظاهراتي، وهذا التجلي معبر عنه بطريقة جيدة بحيث أن الفراغ الذي يحييه يكشف سره غير المكتنه تقنياً يترجم الفراغ بتشكيلة من التدرجات اللونية يقول فرانسوا شينغ: (عندما تعمل القوة الإلهية تبلغ الريشة - الحبر - الفراغ) إذاً هناك ريشة ما وراء الريشة وحبر ما وراء الحبر، ما على المرء إلا أن يتصرف بحسب ايقاع قلبه، وما من شيء يرسمه إلا ويكون رائعاً لأنه من عمل السماء فن الحبر ساحر، وخارق للطبيعة تقريباً)، ويورد لنا قاعدة جميلة تحكم فن الحبر: (من أجل الحصول على أثر رائع يجب اللعب بالحبر بحيث إنه في المكان الذي تقف فيه الريشة يولد شيء آخر).‏

لفائف جدارية بريشة ما لين (Ma Lin)، حبر وألوان على الحرير،
110.3 × 226.6 سم، 1246، متحف القصر في بكين، الصين.

الصينيون مولعون بعبارات من عيار (الإنسان المتفوق)، (الإنسان النبيل) لأن داخل الإنسان يتحول إلى تعابير الإنسان نفسها وكأن الصينيين يقسمون البشر إلى جبال وبحار؛ البعض منا (جبل) والبعض الآخر (بحر)، ويورد لنا فرانسوا شينغ اعترافات فنية لرسام صيني:‏
" اضحك لك والريشة (معراة) في يدي فجأة أبدأ الرقص وأنا أطلق صرخات غريبة وعندما تسمع السماء هذه الصرخات تنفتح شاسعة وفي كبد القبة السماوية يتلألأ القمر براقاً بعيداً وصغيراً، أنا أتكلم بيدي، وأنت تصغي بعينيك وهذا غير متاح للرعاع بأن يعرفوه. عندما كنت ارسم هذه اللوحة أصبحت كنهر ربيعي كلما رسمتها، ازهار النهر تفتحت انسجاما مع يدي وكانت مياه النهر تتماوج مع إيقاع كياني في الجناح الأعلى المشرف على النهر كانت اللوحة بيدي، وأنا أصرخ باسم (تزو - مي)، وعند سماع صرخاتي الممتزجة بضحكاتي اجتمعت الأمواج والغيوم فجأة ".‏
عموماً في الفن الصيني الإنسان هو المقصود في النهاية، الإنسان يبحث عن وحدته عبر ممارسة فن التصوير، وفي الوقت نفسه يهتم بالواقع لإن الإنسان لا يستطيع أن يكتمل إلا بإكمال فضائل السماء والأرض التي وهبت له.‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصدر:
كتاب ممتع قدمه فرانسوا شينغ الأستاذ في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية. وهو مؤلف كتب هامة حول الفن والشعر في الصين منها (الكتابة الشعرية الصينية 1977)، و(النفحة - الروح عام 1989).‏ والكتاب صادر حديثاً عن وزارة ثقافة دمشق‏، سلسلة أفاق ثقافية‏.

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

التجريب


الفكر التجريبي في الفن


أحد أعمال الفنان علاء الحوت، تصوير مجسم، آتيلية القاهرة 2008م.

تعتمد فروع العلوم على التجريب لكون ممارسات تجريبية، وكذلك الفنون التشكيلية التي تخضع لمنطلقات التجريب وهذا لان الفنون تتأثر بالعصر الحديث وعلوم المعرفة فيه، ويحاول الفنان أن يقدم كل ما هو جديد متمشيا مع روح العصر، فنرى دخول الكمبيوتر والليزر في ممارسة الأعمال الفنية وايضا وجود خامات وبدائل تشكيليه لم تكن من ذي قبل.

تفصيلية من أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان.

ويؤكد "جون ديوي" على أن التجريب من السمات الجوهرية للفنان وبدون هذه السمات يصبح الفنان مجرد أكاديمي، وإذا كان الفنان ملزما بأن يكون مجربا فذلك لآن عليه أن يعبر عن خبره ذات طابع فردي عميق. كما أن منطلق التجريب يعد معادلا سيكولوجيا للعمليات الدينامية التي تنتج عنها تنظيم المثيرات الإدراكية في الأنظمة الحيوية، وهذا في مجمله يعني استراتيجيه حديثه للصياغة التشكيلية في العمل الفني "شكل – ومضمون"، وتطلق على تلك العملية بالموازاة بين الحيز الداخلي للشكل وبين المكان الحيوي. بمعنى انه كلما كان النظام المكاني في الحيز الفني يقتفي أثر القوانين الإيقاعية والوظيفية الظاهرة لها دلالتها التعبيرية أدى ذلك على دخول الأجزاء المتعددة بما فيها الخامات المتنوعة في مسار دينامي بشكل يجعلها واضحة، ثم تخف حدة التوتر في الحيز فينصرف المدرك إلى إعطاء قيمة أو دلاله معينه لذلك الحيز تؤكد وحدته.

من أعمال الفنان علاء الحوت، تصوير مجسم، آتيلية القاهرة 2008م

والتجريب هو أحد أساليب الأداء الفني، ونشاط إبداعي قد يكون في مجموعة التخطيطات التي سبق إنجاز العمل الفني بحثاً عن جوانب تشكيلية مختلفة أو إبداعية جديدة، وقد يكون في إظهار الرؤى الجمالية المختلفة للموضوع، مما يهيئ العقل والحس للممارسة التشكيلية بحثا عن حلول متعددة ومختلفة، إما في إطار خبرة الفنان الحاضرة، وإما نتيجة لمرور الفنان بخبرات فنية سابقة، فيقدم حلولاً جديدة بتصميمات مستحدثة (1).

أحد أعمال الفنان وائل درويش، مراكب الشمس تستعد للرحيل،
وسائط متعددة مخلوطة على الخشب وألوان أكريلك ، 765x197x5 سم، 2012

 تفصيلية من العمل السابق

تفصيلية من العمل السابق

 تفصيلية من العمل السابق

إن التجريب في الفنون التشكيلية يتيح مجالاً واسعاً واتجاهات متشعبة أمام الفنان، في تعامله مع عناصر التشكيل وأسس البناء الفني، لتحقيق الغرض أو المضمون الرمزي للعمل، وتتحقق الأساليب والاتجاهات الفنية من خلال التجريب في المحاولات المتعاقبة التي يسلكها المصمم بحثاً عن توافقات وتبادلات تشكيلية تحقق له القناعة بتكامل العمل الذي أنتجه (2).

أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان، من مجموعة (البحر، بعنوان طلسم)،
خامات مختلفة، والوان أكريلك على الخشب، 25 × 42 سم، 2001م.

وفي مجال التجريب بالخامات غالباً ما تكون للفنان أفضليات خاصة للخامات التي يستخدمها في التعبير، وهو حين يحدد الخامات يحدد أيضاً التقنية المناسبة لإخضاعها للتعبير (3). فمرحلة التعامل الأول للفنان مع الخامة هي مرحلة اكتشاف لإمكانيتها التعبيرية والتركيبية عن طريق نُظِّم التشكيل المختلفة، وقدرة الفنان على التعامل معها.

تفصيلية من أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان، عمل مركب في الفراغ،
من معرض (طوالع الرجال والنساء) بقاعة الاليانس فرانسيس، بورسعيد، 2001م.

كما أن التجريب - كأحد متغيرات فن التصوير - يختلف في أسلوب وتناول وترتيب وصياغة عناصر العمل الفني. ويتضح ذلك في سعي الفنان للحصول على حلول جديدة مبتكرة للوصول إلى أهدافه - كأن يبدأ بالطبيعة وينتهي بالتصميم - وقد استطاع الفنان موندريان "Mondrian" خلال رؤيته الفنية أن يقدم حلولاً تشكيلية للمسطحات والخطوط، وأوضاعاً مختلفة للشكل والفراغ مستخدما التجريب والتحليل الرياضي في ذلك. ويعني هذا أن التجربة في هذه الحالة تخضع لعمليات فكرية متداخلة، تسمح بالحذف والإضافة، وقد تكون غير محددة الخطوات، أو تسمح بتقديم خطوة على أخرى، وعنها تنشأ العلاقات التشكيلية الجديدة (4).

بييت موندريان، التركيب الثاني في الأحمر والأزرق والأصفر، 1930م.

هذا إلى جانب أن التغير في طريقة تناول الشكل تتطلب فكراً جديداً ومستوىً غير مألوف في الرؤية، والتي تسفر عن هيئة الشكل، وبهذا يكون العمل الفني باستخدام التجريب في الخامات نشاطاً ابتكارياً يحدد هيئة العناصر، تلك الهيئة ليست قاصرة فقط على الهيئة الخارجية، ولكن في العلاقات البنائية والوظيفية للعناصر التي تحول نظاماً معيناً إلى وحدة متكاملة (5)، وهو هدف العمل الفني.

أحد الاعمال التجريبية للفنان سعيد القطان، من مجموعة (طوالع الرجال والنساء)،
خامات مختلفة، والوان أكريلك على خشب، 20 × 24 سم، 2001م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • المصادر:
1- هدى أحمد زكي السيد: "المفهوم التجريبي في التصوير الحديث وما يتضمنه من أساليب ابتكارية وتربوية"، رسالة دكتوراه، كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، 1979، ص27.
2- أحمد حافظ رشداه، فتح الباب عبد الحليم: "التصميم في الفن التشكيلي"، القاهرة، 1970، ص30.
3- محمد اسحق قطب: "المفهوم الجمالي لتناول الخامة في النحت الحديث وأثره على القيم التشكيلية والتعبيرية في أعمال طلاب كلية التربية الفنية"، رسالة دكتوراه، كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، 1994، ص13.
4- هدى أحمد زكي السيد: مرجع سابق، ص19.
5- مصطفى الرزاز: "أسس التصميم بين البنائي والإدراكي"، مجلة دراسات وبحوث، جامعة حلوان، كلية التربية الفنية، 1984، ص48.

الاستلهام من الأشكال المركبة في المنمنمات الإسلامية - (2)

عنوان العمل: حلم الصعود. مساحة العمل: 30 × 30 سم. الخامات والوسائط المستخدمة: ألوان مائية وجواش وأقلام باستيل على ورق. عام الإنتاج: 2008م. ا...